نستكمل نشر سلسلة الحلقات التي كتبها لـ«البوابة» المفكر الكبير الدكتور رفعت السعيد قبل رحيله داعين الله أن يتغمده برحمته
وقد أثار سلامة موسى بصراحته وعصبيته وإصراره على مواقفه حتى ولو عارضها الكثيرون عواصف عديدة لن نستطيع أن نعرف سلامة إلا بالتعامل معها. وإذا كانت مسألة العلاقة بالدين محل نقاشات عديدة التقط فيها خصومه فقرة من بين أمواج ممتدة من كتابات لا متناهية فقد تعرض لهجمات سمجة بل ووقحة من كثيرين منهم محمد عمارة وفهمى هويدى وجلال كشك والشيخ المطعني.. ولأن الأمر قد يتحول إلى مجرد استخدام للإسلام وأحيانا للتأسلم فى معارك مجدبة ولا يمكن لقارئ عاقل أن يستفيد منها، فإننى أتجاوز عنها إلى نوع آخر من الهجوم الذى تجاوز الحد ولكن فى إطار بعيد عن التأسلم، ونأتى إلى مقال نشرته جريدة الدنيا المصورة (١٣ مايو ١٩٣١ – ص٥) بعنوان «مقالة بقلم نابغة البيان الأديب الكبير السيد مصطفى صادق الرافعى «سلامة موسى عدو الإسلام والعربية والوطنية» ونمضى مع نابغة البيان لنقرأ «رأيى فى سلامة موسى معروف لم أغيره يوما. فإن هذا الرجل كالشجرة التى تنبت ثمارا مريرة ولا تخلو من المرارة ولو زرعت فى تراب من السكر. وما زال هذا الأحمق يتعرض لى منذ خمس عشرة سنة كأنه يلقى على أنا وحدى تبعة حماية اللغة العربية وإظهار محاسنها وبيانها. وهو عدو دينها وقرآنها ونبيها كما هو عدو الفضيلة حيثما وجدت فى إسلام ونصرانية أو يهودية، ومن الذى يلوم الأعمى إذا لم يبصر ومن الذى يلوم سلامة موسى إذا لم يكن سلامة موسي؟».
ونأتى إلى علاقات سلامة موسى الأخرى فهو يكتب «إن تعليم الأدب القديم فى مدارسنا أدى إلى كراهية هذا الأدب لدى الكثيرين ويقول إنه عندما كان فى المدرسة فى السنة الثالثة الابتدائية اضطر إلى حفظ قصيدة أبى العلاء المعرى «خفف الوطء» ولم يفهم لها معنى إلا أنها نوع من تعذيب التلاميذ وقد كرهت أبى العلاء بسبب ذلك» وبعدها عارض سلامة موسى كثيرا من أدباء عصره فى كتاب له عنوانه «الأدب للشعب» وقد قوبل هذا الهجوم الذى شنه سلامة موسى على أدباء عصره بهجوم شديد قد قال فى مجلة الرسالة الجديدة (أغسطس ١٩٥٤) «إنه لا يوجد بين أدباء مصر أديب واحد يستحق التاريخ أن يحمل آثاره إلى الأجيال القادمة، ولم أجد بين أدبائنا من يستحق أن يقرأ له أولادنا وأحفادنا بعد عشرة أعوام» وسألت إحدى الصحف كلا من طه حسين- عباس العقاد- توفيق الحكيم- كامل الشناوى عن رأيهم فى ذلك فقال العقاد «إن كل ما يهدف إليه سلامة موسى من حملاته على الأدب العربى هو تشويه الأدب العربى عامة ورميه بالقصور والجهل والانحلال والذنب الأكبر للأدب العربى هو أن هذا الأدب عربى وسلامة موسى ليس بعربي». ومضى العقاد قائلا «إن الأدباء يحسبون سلامة موسى على العلماء، والعلماء يحسبونه على الأدباء، والواقع أنه ليس أديبا ولا عالما ولكنه قارئ لبعض العلم وبعض الأدب فى بعض الأوقات وما يفهمه أتفه مما لا يفهمه» وقال طه حسين «أنا أعتقد أن سلامة موسى لا يتعصب لشيء ولا هو ضد شىء، وكل ما هناك أنه حاقد موهوب. وهو حريص على إظهار مواهبه هذه فى كل ما يكتب فى السياسة والأدب والاجتماع فهو يحقد على الأموات أكثر مما يحقد على الأحياء وحقده على الضعيف أشد من حقده على القوي. وهو يأخذ الإعجاب من قدرته على نفث الحقد فى كل لفظ وكل معني». أما كامل الشناوى فقال «إن سلامة موسى لم يدرس آثار هؤلاء الأدباء ولم يقرأ لهم حتى يستطيع أن يصدر حكما سليما، وما ذكره ليس حكما بل هو كلام عام وسلامة موسى أولع فى السنوات الأخيرة بالتعرض لموضوعات يستحيل عليه فهمها فهما صحيحا مثل الغزالى والمعرى وشوقى وأبو نواس والمتنبي. وهو يحاول جهده الكتابة عنهم والقارئ ليس فى حاجة إلى كثير من الفطنة لكى يدرك أن ما يكتبه سلامة موسى عن الأدب العربى قديمه وحديثه شعرًا وكتبًا يدل على أنه لا يعرف عن الأدب إلا عناوين كتبه وأسماء أدبائه». والحقيقة أننا نتلمس فى هذه التعليقات التى صاغها ضد قامات كبيرة قدرا كبيرا من الغضب غير الموضوعي. أما سلامة موسى فقد عقب عليهم قائلا: «إن ردى عليهم أمام القراء هو كتاب «الأدب للشعب» (١٩٥٦) لكننا نلاحظ أن سلامة موسى قد استثنى من هجومه على هؤلاء العمالقة عملاقين آخرين هما يوسف إدريس الذى ظل يعترف بفضل سلامة موسى عليه وأنه وصف كتاباته بأنها «ترتفع فى كتابة القصة عن لغة المعاجم المجمدة إلى لغة العامة، لغة الشعب المتدفقة» أما نجيب محفوظ فقد طالعنا كيف ظل محفوظ ممتنا لسلامة موسى ولمساندته له، ويبقى أن نشير إلى رأى آخر امتدح سلامة موسى هو الشاعر المبدع الدكتور إبراهيم ناجى الذى قال قبل وفاته بشهرين «إن الفراشات تتجمع حول المصباح وسلامة موسى لا يرهقنا ضوؤه ولا يحرق أيدينا، بل ينير لنا السبل ويهذب العقول فهنيئا لمصر سلامة موسي».
وعلى كل ما قيل عن الأدب والشعر والرواية مع سلامة موسى أو ضده أو كان سلامة معه أو ضده يحدد سلامة موسى موقفه «ليس الأدب شيئا خالدا، بل هو يتغير بتغير الظروف وحاجات الشعب وسيكولوجية الأفراد ولكن يبقى خالدا فيه شيء واحد هو نزعته الإنسانية» (الأدب للشعب – ص١١).
والآن يتبقى أن نستعرض مع القارئ ملفا كاملا نشرته مجلة الطليعة القاهرية (أغسطس ١٩٦٥) وقد شرفت آنذاك بالمساهمة فيه.
فإلى رأى الطليعة فى سلامة موسى.