فى محاولة يائسة من النظام الحاكم فى قطر للخروج من دائرة الوضع الذى وجدت نفسها فيه فى أعقاب قرار الدول العربية الأربع (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) فى الخامس من يونيو الماضي، والذى انضمت إليه دول عربية وغير عربية عدة فيما بعد، والقاضى بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر لتدخلها فى الشئون الداخلية لهذه الدول ودعمها للإرهاب، فضلًا عما قررته هذه الدول من إغلاق جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية، ومنع المرور فى الأراضى والأجواء والمياه الإقليمية أمام وسائل النقل البرية وأمام السفن والطائرات القادمة من قطر والذاهبة إليها.
وفى محاولة أيضًا لتزييف الحقائق، وهو الأمر الذى اعتادت عليه دومًا وجرى عليه إعلامها وعلى الأخص قناة «الجزيرة»، وتغيير مضمون القواعد القانونية الدولية بما يخدم أهدافها وغاياتها الخاصة، ويكسبها نوعًا من التعاطف الدولي. ادعت قطر أن ما فعلته الدول الأربع إنما يمثل حصارًا مفروضًا عليها، وأنه بهذه المثابة أمر غير مشروع قانونًا؛ لأن من يملك فرض الحصار هو الأمم المتحدة فقط، وبقرار يصدر من مجلس الأمن استنادًا إلى الفصل السابع من الميثاق.
والواقع أن هذا الادعاء القطرى لا يقوم على سند صحيح من القانون، ولا يجد له فى قواعد القانون الدولى ولا فى أحكامه ما يدعمه. وتفصيل ذلك أن الحصار فى معناه القانونى الدقيق إنما يعنى الحبس والمنع، وهو عمل عسكرى يتم عن طريق البر أو البحر أو الجو، أو عن طريقها جميعًا، يهدف إلى عزل العدو عن الإمدادات ووسائل الاتصال. وهو ذات المعنى الذى أشارت إليه معاجم اللغة بتقريرها تحت مادة (ح ص ر) «أقام الجند حصارًا شديدًا على المدينة أى أحاطوا بها من كل جانب، وجعلوا حولها سورًا لا يمكن للمحاصرين داخلها اختراقه». وحاصر العدو أى «أحاط به وحبسه حيث هو».
وهكذا يبين أن الحصار، فى القانون وفى اللغة على السواء، له شرطان أساسيان أولهما أن يكون عملًا عسكريًا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان. والآخر أن يترتب عليه الإحاطة بالمحاصرين والحبس الكامل لهم حيث هم وبطريقة لا يمكنهم معها الخروج أو الدخول أو اختراق هذه الإحاطة إلا بموافقة صريحة أو ضمنية من القائم بالحصار. ومن الأمثلة الحديثة التى يمكن ذكرها للحصار فى هذا المقام، ما فرضته الولايات المتحدة الأمريكية من حصار على كوبا إثر أزمة الصواريخ الشهيرة عام ١٩٦٢، وما فرضته الأمم المتحدة على روديسيا الجنوبية بداية من عام ١٩٦٥ لممارستها سياسة الفصل والتمييز العنصري، وما مورس بحق ليبيا من حصار إبان أزمة لوكيربى منذ عام ١٩٨٦، وما فرض على العراق بعد احتلاله للكويت عام ١٩٩١.
وعلى ضوء هذا التحديد القانونى واللغوى لمفهوم الحصار؛ فإن الإجراءات التى أقدمت عليه الدول العربية الأربع، ومن انضم إليها من الدول، لا تمثل حصارًا لقطر بأى شكل من الأشكال، ولا تتوافر فيها شروطه آنفة الذكر. فمن ناحية أولى لم تستخدم هذه الدول القوة العسكرية فى مواجهة قطر. ومن ناحية أخرى فإنها وإن أغلقت مجالاتها البرية (فى حالة السعودية حيث توجد حدود برية مع قطر)، والبحرية (فى حالة السعودية والإمارات والبحرين حيث توجد حدود بحرية مع قطر)، والجوية (فى حالة جميع دول المقاطعة) فى مواجهة وسائل النقل والمواصلات القطرية والذاهبة إليها والآتية منها؛ فإنها لم تغلق البحر أمام سواحل قطر، وظلت موانئها تعمل فتدخل إليها وتخرج منها السفن متى شاءت شريطة ألا يكون ذلك عبر المياه الإقليمية للدول الثلاث المقاطعة صاحبة الحدود البحرية معها، ومن ثم تأتى إليها السفن من ناحية إيران على الجانب الآخر من الخليج العربى دون أن تعترضها السفن الحربية لأى من الدول الثلاث. وهو ذات ما يحدث بخصوص الطائرات القادمة إلى قطر والمغادرة لها.
ومن ثم تنتفى شروط الحصار فيما فعلته الدول الأربع، ويبقى الوصف الدقيق والصحيح لما فعلت هو المقاطعة. والمقاطعة، سياسية كانت أو اقتصادية أو غيرها، هى أمر مشروع، تستطيع الدول فرادى أو جماعات أن تمارسه، متى قامت أسبابه المنطقية، خارج منظمة الأمم المتحدة، دون انتظار لقرار من مجلس الأمن كما هو شأن الحصار. ذلك أن المقاطعة هى أمر يتعلق بممارسة الدولة لسيادتها على المستوى الخارجي، وليس ثمة ما يلزمها قانونًا أن تقيم علاقات دبلوماسية، أو علاقات اقتصادية وتجارية، أو علاقات اجتماعية وثقافية، أو غيرها، مع دولة أو دول لا ترغب فى أن تقيم معها مثل هذه العلاقات. بل يتعين عليها إذا استدعت ذلك مقتضيات أمنها القومى والحفاظ على وجودها واستقرارها أن تقطع العلاقات- ومن هنا المقاطعة - مع الدولة التى تهدد هذا الوجود وذلك الأمن. وهو ما فعلته الدول الأربع ردًا على دعم قطر للإرهاب وتهديدها للأمن القومى لهذه الدول وتدخلها فى شئونها الداخلية.