الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"رفعت السعيد".. مُعلم المعارضة الوطنية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حزنت بشدة على رحيل المفكر الكبير الدكتور رفعت السعيد، وكان خبر وفاته صادما، وخاصة أن قبلها بيوم واحد كنت أقرأ مقاله الذى كنت أحرص على متابعته، الأربعاء من كل أسبوع فى «جريدة البوابة».. وللأسف رغم أننى شرفت بزمالته من خلال الكتابة فى صفحات جريدتنا التى يجتمع تحت لوائها كافة الأطياف والأفكار، إلا أننى لم أشرف بقابلته يوما، وكنت أتمنى أن أتبادل الحوار مع هذا العملاق الكبير والمتواضع ولو لبضع دقائق، ورغم ذلك صادقته من خلال أفكاره وكتاباته ولقاءاته، وكنت أشاركه فى الكثير من الآراء، وأعشق الاستماع إليه بلغته السلسة الواضحة، والآراء الحادة التى لا تقبل سوى تفسيرا واحدا، وفى نفس الوقت أسلوبة الساخر وابتسامته الهادئة.. هذا الوطنى المخلص الذى أحب بلده وترابه، لم يعرف لغة المواءمات والتوازنات، وإنما كل مواقفه واضحة لا تهادن من أجل المصالح، يُعلم الجميع أن المعارضة ليست أن يكون صاحبها ومواقفه ضد الدولة ومؤسساتها، وإنما يعارض لكى يصلح ويدعم بناء الدولة.. فالمعارضة هى أن تقول كلمة الحق سلبا أو إيجابا، رغم أنك فى هذه الحالة قد تخسر الفريقين، فالفريق الذى يكون «ملكيا أكثر من الملك» يؤيد دائما، حتى وإن كانت بعض المواقف تستلزم المعارضة، وبالتالى يخون كل من يقول كلمة الحق فى تلك الحالة، أما الفريق الآخر فيعارض كل شىء حتى وإن كان صوابا، ويتهم من يؤيد الدولة فى قراراتها بالعمالة لأجهزة الدولة الأمنية، لذلك فمن يقول كلمة الحق دون الاعتبار للفريقين يخسر كل منهما، فلا هذا يعتبره منه ولا ذاك!!.. ولكن رفعت السعيد وأمثاله لا يهمهم سوى قول الحق كما يرونه دون الاعتبار للمصالح أو العلاقات!!.. لذلك لم تتغير مواقفه تجاه الجماعة الإرهابية حين أصبحت على رأس السلطة، بل زاد فى معارضته لهم، ولم يطمع فى قطعة من الكعكة كالكثيرين الذين رأينا تقلبات مواقفهم دون خجل، أو كبعض المسئولين الذين كانوا «متأخونين» أكثر من الإخوان أنفسهم، فلم نسمع لهم صوتا أو نرى خيالهم فى ميدان التحرير حين انقلب «مرسى العياط» على الدستور وعلى مؤسسات الدولة، بالإعلان الدستورى الذى يحصن به قراراته ويجعله كالإله، ولكن رفعت السعيد ظل ثابتا فى مواقفه ورافضا لربط السياسة بالدين، وواعيا لخطورة تلك الجماعات التى أرادت سرقة الوطن، لذلك احتفظ باحترامنا له حين تبدلت الوجوه وسقطت الأقنعة.. ورغم حبه ودعمه العلنى للرئيس السيسى إلا أنه كان يعبر بكل شجاعة عن آرائه المخالفة فى بعض المواقف، وخير دليل على ذلك مقاله الأخير الذى نشرته جريدة الأهرام بعد وفاته بعنوان «شفاء العليل من مبتكرات شريف إسماعيل» والذى انتقد فيه الحكومة والبرلمان بشدة، وانتقد ما سماه «المخترعات البرلمانية» والتى جعلت بعض البرلمانيين يعلنون ضرورة تعديل الدستور لمد مدد الرئاسة أو فتراتها.. وكانت رسالته إليهم فى مقاله الأخير: «أقسم لكم أن كل ذلك يسىء للسيسى الذى لا يحتاج إلى تقاربكم منه، بل لعلكم تؤذونه بهذا التقارب، وسوف ينهل الخصوم الخارجيون وعملاؤهم المتمولون منهم فى الداخل من هذه الاقتراحات غير المبررة الآن بما يمكنهم من الإساءة إلى السيسى وإلى حملته الانتخابية المقبلة والتى أتمنى أن تدار باحترافية وأن يمسك كل واحد ممن يعملون بها منشة يهش بها ذباب النفاق المتعجل بقدر ما هو مؤذ وخال من الفطنة».. ووجه فى نهاية المقال عتابا ودعاء للرئيس قائلا: «أعرف ثقل المسئولية وسوء تصرفات البعض، ولكن عتابي سيبقى بسبب نفوذ الشهبندر وافتقاد العدل الاجتماعى.. ولا أملك فى الختام إلا.. وفقك الله إلى سبيل العدل والحق».. ونظرا لوعى الرئيس بدور المعارضة البناءة وفهمه لأهمية النقد لتصويب الأخطاء، لذلك كان دائما الدكتور رفعت السعيد أول الحضور فى لقاءاته، ولذلك أيضا أصدرت رئاسة الجمهورية بيانا ترثيه به وتؤكد أن مصر فقدت رمزًا من رموز العمل السياسي الوطني الذي أثرى الساحة المصرية بفكره ومواقفه، وأن إسهاماته السياسية القيمة ستظل محفورة فى تاريخ الوطن بحروف مضيئة، وستبقى سيرته خالدة فى ذاكرة العمل السياسي المصري بكل تقدير واحترام من الجميع بمختلف انتماءاتهم السياسية.. حقا لكل إنسان من اسمه نصيبا فقد عاش الدكتور رفعت ورحل وهو عاليا فى القدر والشأن، وكان سعيدا لأنه خُلق حرا لا يخش مع الحق لومة لائم.