السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

معونة أمريكية لتمويل المنظمات المشبوهة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

من عاداتنا السيئة، إدمان السفسطة والثرثرة، غالبيتنا لا يتوقف عن ادعاء المعرفة والإفتاء في كل شيء، سواء بدراية أو بدون دراية، بعضنا يفتح مزاد «المكلمة على البحري»، يتحدث كل منهم كأنه علامة عصره في العلاقات الدولية وتعقيداتها، وخبير في المشكلات الكونية وتأثيراتها.

قبل يومين، انشغل الرأي العام بقرار الكونجرس، وهو القرار الخاص، بتخفيض المعونة الأمريكية لمصر، وكان مثيرا للدهشة، أن يبادر الجميع بالإفتاء وادعاء معرفة الأسباب، فاختلطت الأمور، ولم تعد هناك فروق واضحة بين فتاوى المصاطب، وفتاوى جهابذة التنظير، الكل راح يمتطي صهوة احتكار المعرفة، ويدلو بدلوه بدون أن يتجاهل أمنياته الشخصية.

ففي مزاد المصاطب والفضائيات، انطلقت التصورات السطحية المشحونة بالرغبات الذاتية، بدون إلقاء الضوء على الأمور الأساسية، باعتبارها لا تنفصل عن الحرب الخفية التي أعدتها دوائر صناعة القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، وما تحويه من مخططات شيطانية.

هذه المعونة يا سادة، إن كنتم لا تعلمون، كانت أداة ضغط على القرار السياسي المصري، طيلة 4 عقود مضت، أي منذ توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» بين مصر والدولة العبرية، كانت وسيلة للعبث بالأمن القومي المصري، بداية من دعم الدكاكين الحقوقية، وليس انتهاءً بفتح الطريق أمام الجماعة المارقة، لكي تلعب دورًا في الحياة السياسية، عبر الضغط على نظام مبارك، وهى الضغوط التي ظل المصريون يرفضونها وتمثل جزءا رئيسيا من معارضة نظامه، إلى أن تغيرت الصورة في الآونة الأخيرة، وأصبحت هناك إرادة سياسية للتعامل بندية مع أكبر دولة في العالم، فالسياسة التي انتهجتها الدولة المصرية، هي الانفتاح على المجتمع الدولي، شرقًا وغربًا، سواء في مجالات الاقتصاد أو التسليح وغيرها.

تعالوا نذكر أنفسنا بجرائم الأمريكان في حق هذا البلد.. تعالوا ننفض الغبار من فوق الذاكرة المعطوبة، ونستدعى المصائب التي حدثت على اتساع الخريطة الجغرافية للدولة المصرية، جراء تلك المعونة الملعونة، فلم تتوقف تهديدات الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض، بقطعها تارة، وتخفيضها تارة أخرى، استخدمتها كورقة ضغط، تلعب بها على الطاولة مع أوراق أخرى جرى ابتكارها في كواليس وكالة الاستخبارات «سي إي إيه».

بلغت «البجاحة» الأمريكية مدى غير مسبوق في العلاقات الدولية، عندما تم استقطاع جزء من المعونة لدعم المنظمات المشبوهة، مقابل إعداد تقارير تُمهد لإدانة الدولة، مرة عن اضطهاد الأقليات، رغم عدم وجود أقليات، ومرات لأجل الدفاع عن الحريات، مرورا بابتكار مصطلحات براقة تدور في فلك دعم الديمقراطية وغيرها من اللافتات التي تمكنها من زعزعة الاستقرار لتنفيذ أجندتها.

أمريكا كشفت عن وجهها القبيح، عندما اعترفت رسميا، من خلال سفيرتها السابقة في القاهرة «آن باترسون»، بتمويل ما أسمتهم، زورا، النشطاء، بمبلغ ٤٠ مليون دولار لينشروا الفوضى في أعقاب ٢٥ يناير، عبر تكرار المظاهرات وتنوع أماكنها لانهاك الشرطة، بما يمهد لإسقاطها.

لكن من الغريب، في أعقاب رحيل إدارة أوباما هلل الكثيرون لتولى دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، هؤلاء انبهروا بتصريحات ترامب ضد الجماعة الإرهابية، ونظروا للأمور من زاوية رؤية ضيقة لا تتجاوز حدود الشماتة في منافسته هيلاري كلينتون، فكانت الفرحة على طريقة مشجعي كرة القدم، ليس حبا في طلته البهية، إنما نكاية في الجماعة الإرهابية، لأن وسائل إعلامهم كانت ضمن حملة منظمة لتشويه ترامب.

علق الكثيرون آمالًا على القاطن الجديد للبيت الأبيض، في تحسين العلاقات مع مصر، وتلاشى الحديث عن تخفيض المعونة، التي قدمتها بالأساس في إطار اتفاق دولي تضمن به السلام في الشرق الأوسط.

لكن هناك حقائق غابت عن أذهان المهللين طربا لنجاح ترامب، مفادها أن الرئيس، مسئول منضبط، تخضع كلماته وتصريحاته للتحليل والتفسير، من قبل الدوائر الرسمية العالمية، حتى ولو كان رئيسًا لأصغر دولة في العالم، باعتبار أن خطابات وتصريحات الرئيس، أي رئيس، هي ترجمة لسياسة دولته وعلاقاتها الدولية.

الرئيس لا تحكم توجهاته الأهواء الشخصية والمطامح الذاتية، أو علاقات الصداقة مع الرؤساء، كما أن تصرفاته محكومة بمصالح الدولة العليا وأمنها الاستراتيجي.

لذا علينا أولا الإقرار بأن الولايات المتحدة دولة مؤسسات، وسياستها الخارجية، تتشكل وفق مصالحها الاستراتيجية، فهذه السياسة لا تتغير حسب مزاج قاطن البيت الأبيض، أيا كان اسمه.. أوباما، بوش، كلينتون، فهناك دوائر مؤسسية ومراكز بحثية، تحدد الإطار العام لتوجهات أكبر دولة في العالم، أما رؤية الرئيس، فتكمن في قدرته على التكتيك داخل هذا الإطار لتنفيذ استراتيجية الدولة والحفاظ على مصالحها، فهذا حدث مع أوباما وقبله جورج دبليو بوش، ويحدث الآن مع دونالد ترامب سوف يحدث مع أي رئيس قادم للولايات المتحدة الأمريكية، وهو الانصياع لدوائر صناعة القرار، وهي ذات الدوائر التي أدركت أن الدولة المصرية، بعيدة تماما عن بيت الطاعة الأمريكي، كما أنها ترفض أي تدخل في الشأن الداخلي لها، فراحت تلك الدوائر تلعب بورقة المعونة، وتخفيضها، كنوع من الابتزاز السياسي للدولة المصرية، عبر التلويح بأكاذيب وتقارير المنظمات المشبوهة، بما يعنى أن ترامب ليس بمقدوره الوقوف في وجه الأجندة الأمريكية.