الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أجراس الخطر (1)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لكل من يدير البلاد، عليه أن يعرف مواطن الخطر التي تهدّد دولته وتقوّض أركانها، وعليه أن يتعرف على مواطن الخطر التي تهدد المجتمع والأمن الاجتماعي، الذي هو من أكبر النعم على البلاد والعباد، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى نعمة الأمن في قوله تعالى "لإيلاف قريش... فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" "سورة قريش"، ففي هذه السورة البسيطة ذكر الله سبحانه أهم نعمة أنعمها على الإنسان بعد خلقه وتكوينه في أحسن تكوين - سمعًا وبصرًا وعقلاً... إلخ - ألا وهي نعمة الإطعام من الجوع الذي به يحافظ الإنسان على حياته من الهلاك، ونحن نرى حولنا مجاعات الشعوب في إفريقيا وهلاك عشرات الآلاف في المجاعات التي تهلك الأطفال والكبار، فنشعر نحن بنعمة الإشباع من الجوع ونحمد الله على ذلك، ثم بعد ذلك نعمة الأمن، لأنه بضياع الأمن تضيع حياة الفرد والمجتمع، ولذلك تنفق الدول الكثير من ميزانيتها للمحافظة على أمن وسلامة المجتمع، وتخصص لذلك كليات كالشرطة وغيرها من المعاهد الأمنية الكثير، لأن الأمن هو المحافظة على أرواح الناس وأموالهم وأوطانهم، والأخطار التي تهدد المجتمعات كثيرة، ونشير إلى أول الأخطار ألا وهي استهداف العقول البريئة لصناعة أجيال منفصلة عن مجتمعاتها، بل صناعة جيل يساهم في هدم المجتمع لأبنائه تحت دعاوى عديدة مخادعة، ونشير هنا إلى خطورة مدارس "جماعة الإخوان المحظورة"، فهي جماعة - ومنذ نشأتها - وهي تعادي المجتمع بحجة أن هذه المجتمعات مجتمعات جاهلية مثلها مثل الجاهليين الذين كانوا يعيشون قبل بعثة النبي "صلى الله عليه وسلم"، بل أشد من الجاهلية التي عاش فيها العرب قبل بعثة النبي "ص"، ويدللون على ذلك بأن الجاهلية القديمة لم يكن فيها إعلام: "تليفزيون – سينما – نت... إلخ"، يوزع فساده على العالمين، وغيرها من الصور السيئة التي يصورنها على أنها هي الحياة ولا يوجد في الحياة غير هذا الفساد، ومن أجل ذلك أنشأوا مدارس تستهدف العقول البريئة من الأطفال، وهذا أمر خطير حيث إن إحدى أولياء أمور طفل في هذه المدرسة اشتكت لإحدى الفضائيات بأنهم يعلّمون طفلها - الذي يبلغ من العمر 4 سنوات - إشارة رابعة العدوية، ويعلمونه سب الجيش وسب الفريق أول عبد الفتاح السيسي... إلخ، ونتعجب من الحكومة الببلاوية التي سألت في موضوع مدارس الإخوان فكان جوابها: نحن ننتظر حكم المحكمة، ولا تدري هذه الحكومة المغيّبة عن عمد، أن حكم المحكمة ربما يأتي بعد سنوات، وليس حكم المحكمة وحده، ولكن مذكرة تفصيلية بحكم المحكمة تصل إلى مجلس الوزراء لتحديد من هم الذين يشملهم قرار المحكمة، هل هذا يعقل أن الثورات إن لم يتبعها قرارات ثورية سقطت، وهذا ما نراه تفعله حكومة الببلاوي عقب الثورة، لم ولن تتخذ قرارات ثورية، وتؤجل ما يجب حسمه وتحيله إلى المحكمة، وكأن الثورة لم تقم، وطالما طالبهم الناس بحظر جماعة الإخوان والتحفظ على ممتلكاتها، إلا أنها رفضت وبإصرار، وما زال يزعم ويقول ليس من المنطق أن نضع جماعة الإخوان ضمن المنظمات الإرهابية، هنا انكشف المستور بأن هذه الحكومة التي ترعرعت في أحضان الحزب الوطني، لا تستطيع تغير جلدها الذي هو عبارة عن الخضوع والانبطاح للإملاءات الأمريكية التي تسعى سعيًا حثيثًا لقتل ثورة 30 يونيو، كما سبق وأن قتلت ثورة 25 يناير بدفع الإخوان لحكم البلاد، والآن تحاول أن تقتل ثورة 30 يونيو بحكومة الببلاوي، وحقيقة الأمر أن الإخوان يمتلكون 76 مدرسة وهذا عدد كبير لا يستهان به، فيجب على الحكومة حماية الأجيال القادمة من التحفظ على هذه المدارس وتشكيل مجالس إدارات لها من الحكومة، ووضع البرامج التعليمية الوطنية وإلغاء المواد التي يدخلها الإخوان في مدارسهم، وإبعاد المدرسين الإخوان إلى الوظائف الإدارية حتى لا يكون لهم دور في تشكيل العقول البريئة، لأننا بذلك نرتكب جريمة في حق هؤلاء الصغار، إذ كيف نسلّم الذئب قيادة القطيع البريء؟!، ثم بعد ذلك نتباكى على صناعة التطرف، وحقيقة الأمر أن التعليم في مدارس الإخوان متدنٍّ بطريقة محزنة على ما وصل إليه حالنا في مصر، ونحن دولة قيادة، كنا نورّد المعلمين ومناهج التعليم إلى الدول العربية الشقيقة، بل إن حركة التعريب - التي قادتها ثورة الجزائر لعودة الشعب الجزائري إلى عروبته - اعتمدت في الأساس على المعلم المصري ومناهج التعليم المصرية، وعلماء مصر المنتشرون الآن في جميع أنحاء الدنيا تعلموا في الزمن الجميل، زمن المدرس المخلص الذي يتفانى في إيصال المعلومة إلى تلاميذه في الفصل، وليس في زمن التجار المدرسين الذين يبيعون ما عندهم من علم في شقق الدروس الخصوصية وهجروا المدارس، والويل للفقراء الذين ليست لديهم قدرة على تحمل مصاريف الدروس الخصوصية، وكم من فتى ذكي ظلمته ظروفه المادية وألقت به خارج منظومة التعليم، ولو كان المدرس يتقي الله ويعمل بضميره - كما كان في الزمن الجميل - لاستفادت الدولة من هؤلاء الأذكياء الذين لم تساعدهم قدراتهم المادية على مواصلة التعليم، أضف إلى ذلك غباء المناهج التعليمية، فلا يوجد الآن طفل في مصر يحب المدرسة، فكل الأطفال يفرحون بيوم الإجازة ويكتئبون بيوم الدراسة، وذلك لأن الواجبات المدرسية فوق طاقة هذا الطفل، ولم يراع واضع هذه المناهج أن الطفل خلق للهو واللعب أكثر من الالتزامات، ولكنه وكأن المدرس يتخلص من عبء عليه، ألا وهو الانتهاء من المنهج، فيقوم بإعطاء الأطفال جرعات من الواجبات ترهق الأم التي تقوم بالمذاكرة لطفلها، فضلاً عن إرهاق الطفل وجعله يكره الدراسة واليوم الدراسي، وكأن واضع هذه المناهج ينتقم من الأطفال وينتقم من البلاد - فلا بدّ لمن يريد الخير لهذه البلاد من إصلاح تام لمنظومة التعليم تبدأ بإصلاح المعلم أولاً، وخلق ما يسمّى بـ "الضمير والمسؤولية الوطنية" في هذا المعلم والأستاذ - فإن لم يكن عند هؤلاء ضمير حي ومسؤولية وطنية نابعة من حبهم للوطن ولمستقبل هذا الوطن، وإن لم توفر لهم الدولة الرزق المعقول الذي يتعففون به عن سؤال الناس، فإننا نكون كمن ولّى الذئب رعاية الغنم، وإن أفضل الاستثمارات هي استثمارات التنمية البشرية حتى يكون عندنا العلماء من الأطباء والمهندسين والفنيين، نستطيع بهم أن نحدث نهضة كبرى في بلادنا ونصدّر فائض هذه القوى لإخواننا في الوطن العربي كما كان يحدث في العصر الجميل، بدلاً من أن تحتل الهند وباكستان الوطن العربي بعلمائهما وخبرائهما، فعلينا - ونحن الأقرب - أن نسد الفراغ في المنطقة العربية، لما في ذلك من تأثير على أجيال هذه الدول وشعوبها وانتمائهم لأوطانهم ولمصر، لأنهم تعلموا وتربوا على أيدي الأساتذة والعلماء المصريين، وهذا باب كبير يحتاج إلى متخصصين لتوضيح أهمية التواجد المصري في الدول العربية والإفريقية كمربّين للنشء ومعلمين للأجيال القادمة.
ننتقل إلى أمر آخر لا يقل بحال من الأحوال عن أمر المدارس، ألا وهو السيطرة على المساجد، فمن خلال السيطرة على آلاف المساجد والزوايا تمكنت جماعة الإخوان المحظوةر، والجماعات السلفية والجهادية، من تجنيد آلاف الأتباع وبث أفكارهم في عقول هؤلاء الأتباع خيرًا كان أو شرًا، فسيطرة الدولة على المساجد أمر مهم حتى لا نساهم بأنفسنا في صناعة التطرف، ويجب أن يكون مستوى المسؤولين في وزارة الأوقاف - سواء من الدعاة أو الخطباء - على قدر كبير من الفقه والعلم، حتى تكون لدى الناس قناعة بحجّية هؤلاء الدعاة، ويجب الاهتمام بهؤلاء الدعاة ماديًا وعلميًا وإعطاؤهم دورات تثقيفية مستمرة لمواكبة الأحداث والإلمام بها والقدرة العلمية على الرد على الدعوات المنحرفة عن وسطية الإسلام والرد على الشطط التكفيري، حتى لا تظهر لنا الجماعات التكفيرية التي تعمل في سيناء، وتعمل على تدمير الجيش والدولة المصرية، ولا بدّ من وقفة ثورية لإصلاح الأزهر الشريف، وإنني أرى أن تلحق كل الكليات الأزهرية غير الشرعية بجامعة أخرى غير جامعة الأزهر، ويكون الملتحق بالأزهر لدراسة علوم الشريعة والفقه واللغة العربية، وما يتعلق بها، ويتم رفع مستوى هؤلاء ليكونوا أيقونة الأزهر، ويجوبون العالم من شرقه إلى غربه لنشر الثقافة الإسلامية والوعي الإسلامي الصحيح في ربوع الدنيا، وكي نرفع عن كاهل الأزهر كليات مثل الطب والهندسة والتجارة، فلم تضف هذه الكليات للأزهر شيئًا، بل خصمت من رصيده وشتّت جهده، فعلينا أن نجعل الأزهر لدراسة العلوم الشرعية وما يتعلق بها من لغة وفلسفة وفقه وحديث، وأن يخرج الطالب من جامعة الأزهر ويلزم بعد التخرّج بحضور دورات رفع مستوى، حتى يكون لدينا علماء أجلاء يرفعوا من قدر مصر وقدر الأزهر في الخارج، والاهتمام بعلوم القرآن وتجويده حتى يصبح العالم كله - من شرقه وغربه - يستمع للقارئ المصري ويتعلم من القرّاء المصريين التلاوة الصحيحة لكتاب الله، فلا بدّ للأوقاف أن تسيطر على المساجد وتمدّها بالعلماء والدعاة الأكفاء، وتحافظ على مبانيها وتكون في أفضل حال من الناحية المعمارية، خاصة وأن كثيراً من المساجد في مصر أصبحت مزارات تاريخية ومساجد تاريخية، ويمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في السياحة الثقافية، وحقيقة الأمر، لا يفوتنا ونحن نتكلم عن الأوقاف، أن نشيد بالبطل وزير الأوقاف الجديد، الدكتور محمد مختار جمعة، فهذا الرجل له رؤية صحيحة وقوية لتطوير وزارة الأوقاف والسيطرة عليها، ولكننا ندعوا لهذا البطل الذي يعمل أكبر جهد بأقل إمكانيات، فمصر تحتاج إلى مثل هؤلاء الرواد والمخلصين، كلٍّ في مجال عمله، وإلى المقال القادم تكملة لأجزاء وتفاصيل الخطر التي تحيط بالبلاد والعباد.