خلال ٤٨ ساعة فقط، قام تنظيم «داعش» الإرهابى بتوجيه تهديداته مرتيْن متتاليتيْن مستهدفًا مؤسسة «البوابة نيوز»، التى تقع فى قلب محافظة الجيزة بالقرب من عديد من المواقع والمنشآت الحيوية فى القاهرة والجيزة، بدايةً من رئيس مجلس إدارتها د. عبدالرحيم على وأفراد أسرته وانتهاءً بالعاملين فى المؤسسة جميعًا، وهو تهديد غير مسبوق من حيث الاستهداف الصريح والمعلن لمؤسسة إعلامية مصرية، ويأتى فى توقيت من المفترض أننا حققنا فيه انتصارات لا يُستهان بها على الإرهاب، وهو ما يطرح عديدًا من علامات الاستفهام عن مدى توغل تنظيم داعش فى بقاع الدولة المصرية بعد أن كان محصورًا فى صحراء سيناء وجبل الحلال والتلال الوعرة.
إن تهديد داعش السافر والصريح لمؤسسة إعلامية ورئيس مجلس إدارتها والعاملين فيها يجعل من مراجعة الاستراتيجية المصرية لمكافحة الإرهاب فرض عين، ويجعل من حماية هذه المؤسسة الإعلامية والعاملين فيها من قبل الدولة المصرية ضرورة حتمية لكى نعطى درسًا لكل من تسول له نفسه أن يقترب من حرية الرأى والتعبير فى هذا البلد، لكل من تسول له نفسه أن يكتم صوت الإعلام الحر الذى يسعى بكل ما أُوتى به من قوة أن يخوض معركته الثلاثية المقدسة ضد الإرهاب والفساد والعراقيل التى تقف أمام خطة الرئيس السيسى الطموحة من أجل إعادة بناء هذا الوطن.
لقد جاء فى الرسالة التحريضية التى بثها التنظيم، بعد التقرير الذى نشرته «البوابة» بعنوان «داعش لـ«البوابة»: «جئناكم بالذبح»، ليستكمل بعدها التنظيم حملة التحريض التى طالت فى الرسالة الجديدة أسرة عبدالرحيم علي، والذى أكد التنظيم أنه رصد تحركاته داخل مصر وخارجها، واستكملت الرسالة بتكفير العاملين بالمؤسسة، وطالبت عناصرها باستهداف القائمين على المؤسسة الإعلامية، وإصدار فتاوى بتكفير العاملين فيها، وأباحوا سفك دمائهم، كما طالبوا بكشف ما أسموْهم جواسيس «البوابة نيوز» وتهديدهم بالذبح.. وخاضت «البوابة» معركة ضد التنظيم إثر فضحها خططه قبيل «الأحد الدامى»، حيث فجرت عناصره كنيستى الإسكندرية وطنطا.. ونشرت «البوابة» تفاصيل مبايعة تنظيم «جنود الخلافة» لداعش داخل مصر، بالإضافة لتفاصيل أخرى عن تنظيم ولاية سيناء الإرهابى. ومن الواضح لكل ذى عينيْن أن التهديدات التى تلقتها «البوابة نيوز» تمثل تجسيدًا حيًا لكل ما تقوم به هذه المؤسسة الإعلامية الوطنية فى مكافحة الإرهاب وفى تفكيك ظاهرة ابتُلينا بها عبر سنواتٍ طويلة وهى ظاهرة الإسلام السياسي، وهى الظاهرة الناشئة عما أسميته ذات مرة فى أحد مقالاتى «الخلطة المسمومة» التى تخلط الدين بالسياسة، وهى خلطة لم تُفلح منذ تأسيس حسن البنا –لا طيب الله ثراه– لجماعة الإخوان المسلمين وحتى وصول محمد مرسى -لا فك الله سجنه- إلى سُدة الحكم فى سنةٍ تُعَدُ من أسوأ السنوات التى مرت بها الدولة المصرية فى تاريخها المعاصر، ورغم ذلك، ما زالت جماعات الإسلام السياسى تُصر أن يبتلع المصريون تلك الخلطة المسمومة، مرة عن طيب خاطر عندما انتخبوا مرسى رئيسًا للبلاد، ومرات بالعنف والقنابل وطلقات الرصاص وقطع الرقاب بعد أن ثاروا على مرسى والإخوان فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، فى ثورة شهد لها العالم، وتأبى أعينهم التى وضعوا عليها غمامات سوداء أن تراها حتى يومنا هذا.
إن تهديدات «داعش» لن تُثنى «البوابة» عن تأدية دورها الوطنى فى التصدى للإرهاب، وفضح أفكاره ومخططاته، ووقوفها إلى جوار الدولة المصرية والقوات المسلحة المصرية فى الحرب الباسلة ضد الإرهاب والتكفيريين. إن التهديدات التى تلقاها عبدالرحيم على لن تكون الأولى أو الأخيرة، ورغم ذلك فإن «البوابة نيوز» والعاملين بها واجهوا تنظيم الإخوان فى أوج سلطانهم ووجودهم فى السلطة.
إن موقع «البوابة نيوز» وصحيفة «البوابة» ومجلة «البوابة» و«المركز العربى للبحوث والدراسات» وبوابة «الحركات الإسلامية» عملت جميعًا لسنوات عديدة كمنظومة متكاملة فى مكافحة الإرهاب والجماعات الظلامية وتفكيك الأساطير المؤسسِة لجماعات الإخوان وسائر جماعات الإسلام السياسى الأخرى، وهو جهد عجزت كل المؤسسات الإعلامية ومراكز البحوث المصرية والعربية أن تقوم به. لقد كان «المركز العربى للبحوث والدراسات» أول مركز بحثى فى العالم العربى يقوم بتفكيك أفكار «داعش» من خلال رؤى عدد من خبراء المركز بقيادة الكاتب والمفكر الراحل الكبير الأستاذ السيد يسين، وهو ما تم نشره فى كتاب من إصدارات المركز بعنوان: «داعش: دراسات فى بنية التنظيم» علاوة على عشرات الدراسات والتقارير التى تتصدى للجماعات الإرهابية والظلامية.
ولم تكتفِ «البوابة» بذلك على المستويين المحلى والإقليمي، بل تعدته مؤخرًا إلى المستوى الدولى من خلال تأسيس فرع لمركز الدراسات والبحوث بها فى قلب العاصمة الفرنسية باريس لكى تقدم المؤسسة لفرنسا والعالم الغربى خبرتها وتجربتها المتميزة فى مكافحة الإرهاب الذى طال القارة الأوروبية من بلجيكا إلى بريطانيا وفرنسا وأخيرًا إسبانيا. وتقوم المؤسسة حاليًا بإجراء التدشين التجريبى لبوابة «البوابة La Porte» باللغة الفرنسية، كما تتم ترجمة الكتب والإصدارات المتميزة للكاتب عبدالرحيم على ومركز الدراسات إلى اللغتيْن الإنجليزية والفرنسية، وأول هذه الكتب الذى سيصدر قريبًا «داعش والخروج من رحم الإخوان».
لن نقول لـ«داعش» ما قالته فى تهديداته الخرقاء لعبدالرحيم على والذين معه: «جئناكم بالذبح»، بل نقول له «جئناكم بالعلم والثقافة والتنوير». إننا لا نذبح أحدًا، ونعلم ما للدم من حُرمة عند الله، ولكننا لا نملك سوى عقولنا وأقلامنا ورسالتنا التى لن نحيد عنها، والتى سنستمر فى أدائها ما حيينا وهى تبديد الظلام بنور العلم الذى هو قبسٌ من نور الله، والانتصار فى معركة يرفع فيها أعداؤنا السلاح ويطلقون الرصاص، ونرفع فيها الأقلام ونطلق فيها طلقات الحبر، وربما تكون طلقات الحبر والكلمات أقوى من طلقات الرصاص والمتفجرات فى مقاومة هذه القوى الظلامية، فالظلام لا ينقشع إلا بنور العلم ورحابة الفكر وقوة الحجة والبرهان.
وفى النهاية أقول لعبدالرحيم على والذين معه: لا تخافوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلوْن، لا تتراجعوا ولا تستسلموا، فنحن جميعًا والمصريون من ورائنا وسط ميدان المعركة، إما أن ننتصر أو ننال الشهادة فى سبيل الله والوطن.. تحيا مصر.