الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

قصة المصلح "جان كلفن" مع الكتاب المقدس

المصلح الفرنسى جان
المصلح الفرنسى جان كلفن
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى العاشر من يوليو عام ٢٠٠٩، احتفل الإنجيليون حول العالم بمرور ٥٠٠ عام على ولادة المصلح الفرنسى جان كلفن الذى عاش فى الفترة بين (١٥٠٩-١٥٦٤)، المصلح كلفن ينتمى إلى الجيل الثانى من الإصلاح، عندما بدأ المصلح مارتن لوثر حركة الإصلاح الإنجيلى عام ١٥١٧ بتعليقه ٩٥ بندًا إصلاحيًا على باب كنيسة ويتنبرغ فى ألمانيا، كان جان كلفن لا يزال طفلا صغيرا يبلغ من العمر ثماني سنوات، يعيش فى فرنسا، ذهب لدراسة اللاهوت بناء علي رغبة والده، لكنه ترك دراسة اللاهوت قبل أن ينتهى وانتقل لدراسة الفلسفة. وأثناء ذلك الوقت مات والده، فشعر كلفن بحرية ليدرس ما يحب أن يدرسه، فدرس الحقوق، كما انكب على متابعة الدراسات الأخرى.
ابتدأت كتابات المصلح مارتن لوثر بالتسرب إلى فرنسا عام ١٥٢١، تعرّف كلفن للمرة الأولى على أفكار المصلحين الإنجيليين عندما كان يدرس اللاهوت، من خلال أستاذ لاهوتى اسمه جان مايس الذى كتب تفسيرات للأناجيل الأربعة، هاجم فيها المصلحين الإنجيليين جان ويكليف، جان هوس، ومارتن لوثر، معتبرًا أن تعاليمهم إنما هى اختراعات جديدة. أيضا، يقول بعض المؤرخين إن كلفن كان صديقًا لبعض الشباب من جيله ومنهم أحد أقربائه الذين اعتنقوا تعاليم الإصلاح الإنجيلي، لكن حتى عام ١٥٣٠ أي حتى عمر ٢١ سنة كان كلفن لا يزال ملتزمًا بكنيسة روما. بعد حوالى عشر سنوات من دخول تعاليم لوثر إلى فرنسا، صار هناك اضطهاد للفرنسيين الذين تركوا الكنيسة، وانضموا إلى الإصلاح الإنجيلي. فإنه، وانطلاقا من توجهه الأنسنوي، كتب كلفن كتابه الأول «سينيكا دى كلمنسيا» فى العام ١٥٣١ أى عندما كان عمره ٢٢ سنة، إذ فى هذا الكتاب دعا كلفن الملك الفرنسي، إلى إعادة النظر فى سياسة تعامله مع الذين اعتنقوا الإيمان الإنجيلي، والفكرة الرئيسية فى ذلك الكتاب هى كما أن الفيلسوف الرواقى سينيكا طلب إلى الإمبراطور نيرون المرونة واللين والمسامحة فى تعامله مع المواطنين المسيحيين، هكذا دعا كلفن الملك الفرنسى لأن يكون مرنًا ومتسامحًا فى تعامله مع مواطنيه الفرنسيين الذين قبلوا مبادئ الإصلاح الإنجيلي. 
لم يخبرنا كلفن بكلمات كثيرة ووصف دراماتيكى مؤثر عن اختباره الروحى، وتغيير الله الجذرى لحياته والذى جعله ينضم لحركة الإصلاح الإنجيلى ليصبح من أهم البارزين فيها، فكلفن يخبرنا بكلمات قليلة عن تغيير مفاجئ فى حياته، توبة مفاجئة، اختبرها عندما كان له من العمر ٢٤ سنة، والمكان الوحيد الذى يذكر فيه عن توبته واختباره الروحى هو أثناء تفسيره لسفر الأمثال، فكلفن يصف توبته على أنها «إخضاع الله لقلبه المعاند». أيضا يقول «وبعد أن اختبرت معرفة التقوى الحقيقية، فإنى التهبت رغبة وشوقا كبيرا لأن أستفيد من هذه المعرفة، ومع أنى لم أحاول أن أتوقف عن دراساتى الأخرى، إلا أننى صرفت وقتا أقل بها، ومن ثم انذهلت، إذ إنه قبل أن تنتهى السنة، فإنى رأيت الذين قبلوا مبادئ الإصلاح الإنجيلي، ملتفين حولى ليتعلموا منى وأنا نفسى لم أكن سوى مبتدئ».
إن توبة كلفن لم تكن فقط روحية، لكنها كانت فكرية أيضًا. فقبل التوبة، كان كلفن مؤمنا ومقتنعا بعظمة الإنسان، الأمر الذى يركز عليه التيار الأنسنوي، وبعد التوبة صار مؤمنًا ومقتنعًا بفساد الإنسان وحاجته القصوى إلى عمل النعمة الإلهية التى تخضع إرادته. كما أن توبة كلفن لم تنحصر فقط باهتمامه بخلاصه الشخصى وعلاقته مع الله بانتظار الحياة الأبدية، لكن كلفن رأى فى كلمة الله القوة المغيّرة ليس فقط لحياة الإنسان، ولكن للمجتمعات والحكومات. فسيادة الله هو مفهوم أساسى جدا فى فكره، والعمل لمجد الله، كما قال، يجب أن يكون هدف كل إنسان مؤمن. وهكذا صار كلفن مدافعا عنيدا عن مبادئ الإصلاح الإنجيلي.عندما قوى الاضطهاد على الإنجيليين الفرنسيين «الهوغونتس»، هرب إلى جنيف. كرس كلفن نفسه كليًا لدراسة كلمة الله، الكتاب المقدس باللغات الأصلية، ودرس ما توفر من كتابات المصلح مارتن لوثر المترجمة إلى اللغة اللاتينية، لأنه لم يكن يعرف اللغة الألمانية. تأثر بأفكار لوثر وبنى عليها، مع أنه لم يوافق على كل كتاباته. إن العمل الفكرى اللاهوتى الكتابى الأضخم الذى أنتجه كلفن، كتاب «أسس الإيمان المسيحي» الذى تمت ترجمته حديثا إلى اللغة العربية وسيطلق قريبا فى المكتبات. فى الطبعة الأولى من كتابه «أسس الإيمان المسيحي» الذى أهداه إلى الملك الفرنسي، ذكر كلفن ما يلي: «إن تعاليم المصلحين ليست بداية جديدة، ولكن تعاليم (أرثوذكسية) مستقيمة ورسولية، بحسب الإيمان المسيحى النابع من تعليم الرسل». إلا أن الملك لم يهتم بالرسالة، واستمر فى اضطهاد الإنجيليين. كتاب كلفن، هو مرجع ومرشد للإنجيليين، للدفاع بشكل منظّم عن العقيدة الإنجيلية المسيحية. كما كتب كلفن تفاسير لمعظم أسفار العهد الجديد، ما عدا رسالة يوحنا الثانية والثالثة وسفر الرؤيا. كما كتب عن تفاسير للتوراة (الأسفار الخمسة الأولى)، ويشوع، والمزامير، وأشعياء. كما دون ملاحظاته حول: أسفار الأبياء الصغار، ودانيال، وأرميا، ومراثى أرميا، وجزء من حزقيال، وغيرها من الكتابات الأخرى. فكتاباته وتفسيراته، تشهد عن غنى فكرى وروحى كبير، غير موجود عند باقى المصلحين الإنجيليين، وقد يكون غير مسبوق منذ الإصلاح وحتى يومنا هذا.
بقى كلفن يعمل حتى نهاية حياته. حين ساءت صحته بسبب مرضه، وقيل له ألا يرهق نفسه بل يأخذ قسطًا من الراحة، أجاب «هل تريد أن يجدنى المسيح عاطلا عن العمل عندما يأتى ثانية؟».
يعتبر المصلح جان كلفن، مؤسس نظام إدارة الكنيسة، فى الكنيسة الإنجيلية المشيخية.