الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

سلامة موسى الحائر دومًا.. والديمقراطية «12»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نستكمل نشر سلسلة الحلقات التي كتبها لـ«البوابة» المفكر الكبير الدكتور رفعت السعيد قبل رحيله داعين الله أن يتغمده برحمته..

يمكن القول باطمئنان إن أهم وأشهر تلاميذ سلامة موسى كان نجيب محفوظ، ونجيب محفوظ يمتلك قدرا هائلا من الوفاء لأستاذه. وفى كتاب بعنوان «أساتذتى»، يقول نجيب محفوظ: «إنهم يحيى حقى - توفيق الحكيم- عباس العقاد- طه حسين- مصطفى عبدالرازق- حسين فوزي- سلامة موسى». وفى كتاب لفايز فرح بعنوان «فكر سلامة موسى وكفاحه»، يقول المؤلف: إنه وجد من الضرورى أن يخصص فصلا كاملا من كتابه عن علاقة محفوظ بسلامة موسى حتى يعطى للاثنين حقهما، ويقول «سلامة موسى كان أستاذا بحق، يكتشف مواهب الآخرين وبخاصة الشباب، ويشجعهم بالنشر والكتابة والرعاية»، ثم يقول: «ومن هنا حق لأساتذة هذا الجيل أن يتحدثوا عنه حديث الوفاء والاحترام. لكن الأساتذة الكبار الآن مشغولون بأنفسهم فى مراهقة فكرية عجيبة».. ونجيب محفوظ يحفظ لسلامة موسى قدره ولا ينسى له مساندته له فيقول فى كتابه «أساتذتى»، وتحت عنوان «سلامة موسى رجل المستقبل»: «أذكر الآن أول رواية نشرت لى فتتعالى دقات قلبى، ولو أنى أملك قوة البعث لبعثت حيا هذا الرجل العظيم الذى نشرها لى سلامة موسي». ويقول: «تأخرت معرفتى الشخصية بسلامة موسى عن معرفتى العامة به، حتى إذا أنشأ المجلة الجديدة اشتركت فيها ببعض المقالات فى العلوم الاجتماعية الحديثة التى ندرسها فى الجامعة، فبعث لى خطابا يشكرنى وطلب منى مقابلته وكنت لا أزال طالبا، وكان يظن أننى أكبر سنا من ذلك، وكان أول مقال نشره لى بعنوان «احتضار معتقدات وتولد معتقدات، ونشر المقال فى المجلة الجديدة» (أكتوبر ١٩٣٠)، ويمضى نجيب محفوظ: «وكنت كلما كتبت مقالا جلسنا معًا نتبادل الحديث، وعندما جاءت سيرة الرواية لسبب لا أذكره قال سلامة موسى إن الرواية جنس أدبى لا يصلح فى اللغة العربية. وسألته لماذا؟ فقال لأن دور المرأة هامشى فى مجتمعنا، والروايات الموجودة تقليد للروايات الأوروبية، فقلت ها أنت يا أستاذ تجعلنى أيأس لأنى كنت أفكر فى كتابة روايات. وطلب أن أطلعه على ما كتبت، فجئت له بأول رواية كتبتها، فقال بعد أن قرأها: «أنت عندك موهبة لكن هذه الرواية ليست فى مستوى النشر، وقال لى الكلام نفسه عن رواية ثانية وربما ثالثة، ربما لأن واحدة منها تتناول الريف، وأنا لم أر الريف أصلا، والثانية عن لاعب كرة وأنا لم ألعب كرة، إلى أن أعطيته رواية «حكمة خوفو»، فنالت إعجابه واقترح أن نسميها «عبث الأقدار»، ونشرها فى كتاب ووزعه على المشتركين فى «المجلة الجديدة» مجانا، وكانت أول رواية تنشر لى (١٩٢٩)، وبعدها فتح لى مجلته لأنشر فيها قصصى ورواياتي». ويمضى نجيب محفوظ: «كان سلامة موسى متواضعا وكلما عرف شخصا شجعه فهو يحب أن يتعرف على من يكتبون فى مجلته، وحضر معى فى ندوة كازينو أوبرا، وتحدث معنا وكان فى ذلك الوقت يكتب فى جريدة «الأخبار» وكتب فيها كلاما جيدا عن روايتى «بين القصرين». ويقول نجيب محفوظ «إن سلامة موسى تعرض لأوضاع مالية صعبة.. ومع ذلك ظل معتزا بنفسه ومحتفظا بأخلاقه العالية وطيبة قلبه وحنوه على عائلته التى لم تشغله عن هموم أمته التى كان يحب لها التقدم ويرجو أن تعيش عصرها؛ فقد دعا للصناعة الوطنية وتشجيعها، ودعا للعلم والحرية والديمقراطية والوحدة الوطنية، وكان أبعد ما يكون عن التعصب». ويذكر نجيب محفوظ لسلامة موسى مواقفه فى الدفاع عن الحرية؛ فعندما سجن العقاد كان يواصل تذكير القراء به فى كل عدد من أعداد المجلة الجديدة رغم ما بينه وبين العقاد من خلافات فكرية. وعندما طرد طه حسين من الجامعة فى زمن وزارة إسماعيل صدقي، دافع عنه سلامة موسى فى «المجلة الجديدة»، وكتب فى عدد أغسطس ١٩٣٤ بعد عودة طه للجامعة مهنئًا إياه بانتصاره أمام الديكتاتورية، وقال: «إن البيئة الاجتماعية التى اختمرت فأنبتت طه حسين مستطيعة أيضا أن تنبت مثله بدعوته للتجديد؛ فالأمة مصرة إصرارا على أنها تريد أن تعيش فى القرن العشرين، وأن تكون بمزاجه الذهنى سواء فى الاجتماع أو السياسة أو الأدب. وإن كان أحد يظن أن طه حسين وزملاءه من الأدباء قد انهزموا أمام الرجعية، فهو مخطئ وهو يأخذ بالظواهر. وإذا تأمل فإنه لم يجد بدا من الاعتراف بأن هؤلاء الأحرار منتصرون إن لم يكن اليوم فغدًا. وقد كان سلامة موسى معجبًا بطه حسين، ويقول إنه معجب بكفاحه فى تغيير حياته أكثر من إعجابه بأدبه، وهذا موقف نبيل من سلامة ينبغى أن يكون نموذجا للمفكرين والأدباء، لكى يتجردوا من المواقف والصراعات الشخصية فى سبيل المبدأ العام. وهو الموقف نفسه، الذى جعل سلامة موسى يرى فى الأزهر جامعة حفظت الثقافة والأدب واللغة العربية، وأن مرور ألف سنة عليها يجعلها تستحق الاحتفال بها». لقد كان سلامة موسى نموذجا للشجاعة والإخلاص، وأتت أفكاره فى الغالب أكثر تقدمية من المجتمع الذى يعيش فيه، وأمثال سلامة موسى هم الذين يطورون مجتمعاتهم لأنهم متقدمون عن عصرهم. وسلامة موسى فى نظر نجيب محفوظ، يمتاز بتفكير عملى لا يرتكن كثيرا للنظريات، وكل ما يهمه من النظرية أن يطبقها؛ لأن كل همه مركز على الحياة. ويقول: إن سلامة موسى هو أول من تنبأ بالعولمة، حينما قال: «فى العالم اليوم ثقافة بشرية جديدة تختمر، وعن قريب ستتبلور ثم تتجوهر لنؤمن بها جميعا، ونقول إن هذا الكوكب هو وطننا وهو قريتنا، وطن عالمى كبير يلغى هذا العالم المجزأ وهذه الأوطان القديمة».
ولم نزل بحاجة كى نتواصل مع سلامة موسى.