بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتقدم إدراك دول العالم، أن الحروب الجديدة هى من نوع خاص مثل الحروب الإلكترونية والنووية والاقتصادية، وتقدم الإدراك واكتسابه مهارات جديدة هو ملكة وهبة وهبها الله وخص بها الإنسان دونًا عن باقى المخلوقات التى تبدأ من المربع صفر كل مرة، ولكن يبدأ الإنسان من حيث انتهى سلفه.
ومن ثم تربعت الصين على العرش الاقتصادى للعالم بل قدمت لنا فتوحات اقتصادية وغزو اقتصادى على مستوى هائل، ويرجع ذلك لا لجودة المنتجات الصينية ولا لفخامتها ولا حتى لرخص المنتج الصينى عن نظيره الآخر، ولكن لأن السياسة الصينية أدركت دراسة احتياجات السوق، كل سوق لكل بلد ولكل ثقافة واحتياجات السوق المصرية عن غيرها الأوروبية عن غيرها العربية كما درست التوقيت الصحيح المتوافق مع المناسبات المختلفة لكل بلد لإعمار سوقها بالمنتجات فى التوقيت الصحيح.
هكذا الدعوة السلفية فى مصر اليوم.. بعد أن حدثت الطفرة الإدراكية فى العقلية المصرية الطبيعية والمتوسطة، وأدركت بعد أن احترقت كل حيل الجماعة -جماعة البنا– حدثت مع تلك الطفرة طفرة جينية إدراكية فى العقلية والسياسة السلفية، وبدأت تفعل مثل الصين وتدرس احتياجات السوق، ولكن المعنوية والنفسية والعقلية، فصياغة دعوة تتسلل إلى كل بيت مصري وتغليفها (بسوليفان) دينى هو قمة تهذيب المنتج الذى تريد أن تروج له الدعوة السلفية اليوم بل وأيضًا دارسة التوقيت الصحيح مثل الصين لتغزو بمنتجها المجتمع.
فلن يذهب السلفيون اليوم إلى بيوت البسطاء بمؤن غذائية، ولن تجاهر برفض الدستور والنشيد الوطنى، ولكن ستترك الكوادر السلفية المعلنة لتقنع الجميع أن هؤلاء هم السلفيون فقط! ستترك الشيخ سالم عبد الجليل يصرح ويكفر ويفعل ما يشاء لتقول لنا : هؤلاء هم السلفيون فقط، ونسخر ونمصمص الشفاه مغيبين لكى لا ندرك الخطر الحقيقى المستتر.
ولكنها فى حقيقة الأمر تجهز منتجها المغلف بغلاف دينى ليسهل على المواطن المصرى تقبله لكى يكون منتجًا مستساغًا وستُجمل فى وجهها قدر ما استطاعت وتمتنع عن تهنئة غير المسلمين فى أعيادهم ولكن بالتحايل والتهرب وليس بالمجاهرة العلنية.
ولنرى بطريقة عرضية أفقية ماذا فعلت الدعوة السلفية فى العراق الشقيق وسوريا الشقيقة؟
لماذا سوريا والعراق تحديدًا؟ لأن العراق يحارب الدعشنة، واليوم تحرر الموصل وغدًا يتحرر مكان آخر، ولأن سوريا تدعشنت بنسبة تزيد عن ثمانين بالمائة.
فقبل دعشنة العراق وسوريا الأشقاء فى الوطن العربى كان المشهد هناك يرى ازدهارًا فى الحركة العلمية والحركية السلفية وجماعة الموحدين فى العراق، فضلًا عن السلفية العلمية فى سوريا وحزب التحرير الإسلامى فى سوريا.
وماذا بعد أن شهدت الدعوة السلفية ازدهارًا فى سوريا والعراق؟ توغلت داعش ودمرت كل ما هو أخضر كالجراد، فالسلف الطالح –بكل أسف- هو لا يكتفى اليوم بتعاليم الأولين ولكن هو الخلف الطالح -أيضًا- الذى من كرهه ونقمه على نظام الدول أول من يفتح باب أوطانه لمن يقرع الباب ليدمر نظام الدولة ويجعل سوق الرقة فى وسط المدينة التى كانت مدنية، ويعيد السبى النسائى!
ولكن أخيرًا وليس آخرًا فمصر الحبيبة –الأم الروحى للوطن العربى- الخلوقة والسباقة هى التى دائما تسبق العالم العربى بخطوة فى الفكرة فهل لها أن تنتبه للمنتج السلفى الجديد المستتر؟
كلنا ضد سياسة الدروع البشرية ولم تلق نجاحًا مع أى من الساسة والقادة الذين استخدموها، فالشيوعي عندما هوجم بالإخوانى: تربى الأفعى الإخوانى فى قلب مصر، وعندما هوجم الوفدى عدو الملك بالإخوانى شهدت مصر مجموعة كبيرة من الاغتيالات السياسية حينها.
فالسلفيون لن يكونوا أبدًا دروعًا بشرية لدحر الجماعة والإخوان المسلمين كما لن يتوقفوا عن صناعة منتجهم بتغذية الدولة لفصيل سياسى آخر.
ولكن بالإدراك والوعى وسبق الآخر بخطوة فى التفكير العميق والتحليل وأيضًا بالاهتمام بالتيار الصوفى وليس وضعه فى وجه الدعوة السلفية-أبدًا، فالصوفية فى كل ديانة ما هى إلا ترفع وتعفف عن شهوات الجسد والدنيا، وتكاد تكون مشتركة فى مبادئها فى الأديان بموسيقتها الصوفية المليئة بالشجن المسالم الذى يرتقى بالنفس.
حلول كثيرة وأفكار أكثر على كاهل المحللين والساسة والمهتمين بالشأن الاستراتيجى لمعالجة المنتج السلفى الذى سيغزو الأسواق المصرية قريبًا ولكن ليس بعد التنبّه وإدراك حجم الخطر الطبيعى حتى لا تغزونا الصين –عفوًا- أقصد السلفية.