كانت مكالمة غريبة فوجئت بها بعد مناقشة رسالة الدكتوراة، على تليفون عام فى سكنى بجامعة موسكو، قال لى مبروك ولا خبت، قلت لا قالوا ديه مش دكتوراة ولكن تستحق دكتوراة الدولة، قال طب أرجع بسرعة ولا هتبلط هناك؟، قلت أنا حاجز التذكرة قبل المناقشة، رجعت قالى مكانك فى الأهالى، قلت سمعا وطاعة، مثل السلفيين.
هكذا كان الأستاذ الدكتور رفعت السعيد، رغم كل مشاغله إلا أنه يهتم بالتفاصيل ويجيد احترافها، كتبت عنه قبل رحيله وعاتبنى:
هو مثل الطوربيد أو صاروخ موجه.. عاش حياته على الحافة.. لم يعرف للنوم طعما.. دخل سجون كل العهود.. يعشق اللعب من وراء الكواليس كأنه رحمى محرك العرائس.. ورغم صلابة وجهه وعينيه الميتة مثل السمكة يحتوى قلبا يسع كل البشر.. إنه الأستاذ الدكتور رفعت السعيد.
كان السعيد من أشد المعارضين والمواجهين لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، وله العديد من المؤلفات النقدية لحركات الإسلام السياسى، مثل «حسن البنا: متى؟.. كيف؟.. لماذا»؟، و«ضد التأسلم». وكان السعيد خصما لدودا لجماعة الإخوان التى طالبت برأسه منذ سبعينيات القرن الماضى.
كان الأستاذ الدكتور رفعت السعيد هو المحترف الحقيقى فى تاريخ اليسار المصرى.. لم يعرف يوما اليأس من انتصار اليسار.. قضى نصف عمره يحاول أن ينير الطريق ضد الإخوان المسلمين.. مع التنوير والعلم والفكر.. وهو مالم يفهمه الأستاذ عبد الغفار شكر وأنصاره الذين أسسوا التحالف الاشتراكى فى سطح حزب التجمع
رفعت السعيد دخل المعتقل وهو لابس شورت.. ولما كبر دخله تانى واختار أنه يشتغل "نازح الخرا".. أى يشيل مخلفات العنبر.. مقابل أنه يقعد يدرس باقى النهار فى حضرة الأساتذة لويس عوض وفؤاد مرسى وإسماعيل صبرى عبدالله وأبوسيف يوسف.
رفعت السعيد كتب أجمل ذكريات خالد محيى الدين فارس حركة يوليو.. رفعت السعيد ياناس أجمل ما فى تاريخ اليسار، عاش مقاتلا ورحل فى صمت.
رحل د.رفعت السعيد رغم أن الحديث لم ينته..
وكما يقول أحد أبنائه أحمد زهران: هذا الرجل الذى علق عليه الجميع أسباب الفشل، ظل يحارب وفقا لقناعاته حتى النهاية الآن سقطت الشماعة وعتق الرجل من ادعائاتكم.. ولكنه بالتأكيد حي بهذا الكم من الكتابات المؤثرة فى الحياة الثقافية المصرية..
وداعا أيها القائد والمفكر!
وداعا أيها البوب.