تابعت كباقي المصريين الاشتباكات التي اشتعلت خلال الأيام القليلة الماضية بين عائلتين بمحافظة قنا والتي راح ضحيتها 14 قتيلا من بينهم سيدة وأكثر من 15 مصابًا، وتابعت أيضًا تصريحات المسئولين الأمنيين بالمحافظة وشهود العيان وأهالي القرية بخصوص سبب المشاجرة وهو "رفع ثمن كارت شحن نصف جنيه".
انزعجت بشدة من سبب المشاجرة ووصول الضحايا لهذا العدد، وأيًّا كان السبب فليس من الطبيعي أن يصبح دم الإنسان بخسًا لهذه الدرجة، فعدد ضحايا مشاجرة "الخمسون قرشًا" يفوق عدد أفراد فريق عمل يستطيع النهضة بدولة كاملة.
والأغرب حينما تطلع على تفاصيل الكارثة، وأنه كان هناك وقت كافٍ للتفكير والعودة من قبل العائلتين عما هما عليه، حيث إن المشاجرة نشبت ما بين صاحب بقالة وأحد الأهالي تطورت المشاجرة، وقام المشتري بجمع عائلته، وكذلك صاحب البقالة، وفي ذلك وقت كافٍ للهدوء ووقف الكارثة وكفيل لتدخل العقلاء لتهدئة الطرفين، ورغم كل ذلك وصلنا لما نحن فيه الآن.
والنتيجة أن معركة "الخمسون قرشًا" خلفت كوارث عديدة، أهمها دمار قرية بأكملها لا تقل عن 20 ألف نسمة، وذلك بسبب التوترات التي حدثت، وتربص العائلات ببعضها البعض للأخذ بالثأر، ورفع حالة الطوارئ أمنيًا وحكوميا، ووضع خدمات أمنية كثيفة بالقرية والقرى المجاورة وفي ذلك تكاليف باهظة.
فلماذا يتمسك أهالينا في صعيد مصر بالعصبية الزائدة التي لم تخلف لنا سوى الكوارث والمصائب؟! فمشاجرة "الخمسون قرشًا" تعيدنا لأعوام ماضية حينما نشبت مشاجرة أخرى مماثلة في قرية بيت علام بسوهاج بسبب حمار، وراح ضحيتها 21 رجلًا في ضربة واحدة، والنتيجة أن القرية تتشح بالسواد إلى الآن بعد أن كانت مقصدًا لمئات العاملين بسبب ظهيرها الصحراوي.
فلمحافظتي سوهاج وقنا خاصة والصعيد عامة مَعزَّة خاصة في قلبي، حيث إنها الرقعة الغالية، ولكن كنت أتمنى أن يتشبث الأهالي بعادة أخرى بخلاف العصبيات والتمسك بالتاريخ والعادات السلبية، فكم كلفت المعارك التي حدثت وتحدث كل يوم العائلات.
فلشباب وعقلاء القرى ومثقفيها وشيوخها دور هام من الواضح أنه منعدم الوجود، فعليهم البحث عن طريقة لتفعيله وتوصيل الرسالة الأهم وهي أن دم الإنسان ليس بخسًا.