أن تضطر الهيئة الوطنية للصحافة إلى إصدار مدونة سلوك أخلاقيات المهنة فى نشر قضايا الإرهاب، دليل على مدى التدنى الأخلاقى والمهنى الذى وصلنا إليه.
البنود الواردة فى المدونة التى صدرت قبل أيام من بدهيات العمل الصحفى والإعلامي، ليس فقط فيما يتعلق بالإرهاب، وإنما فى كل قضايا ومشكلات المجتمع المصري، إن مجرد إحساس المجتمع بالاحتياج لوثيقة تدعو إلى الامتثال لأخلاقيات الصحافة وآدابها، إدانة للجماعة الصحفية بدءا من رؤساء التحرير وصولا إلى أحدث متدرب فى بلاط صاحبة الجلالة.
ذلك أن اعتماد المحرر على ما تنشره مواقع التواصل الاجتماعى من معلومات وأخبار غير مدققة، يتم فى العادة بموافقة رئيس التحرير إن لم يكن بتوجيه منه.
جاءت مدونة الهيئة الوطنية للصحافة متأخرة بعض الوقت؛ فقد ظهرت الحاجة إليها ماسة وملحة قبل عامين فى الأول من يوليو عام ٢٠١٥ عندما لهثت أغلب الصحف والمواقع الإخبارية المصرية وراء قناة «الجزيرة» وصفحات ما يعرف بـ «تنظيم ولاية سيناء» الإرهابى، لنشر أخبار الهجوم على أحد الأكمنة بالشيخ زويد، ومحاولة بعض العناصر رفع علم داعش، حينها تسابقت الصحف لرصد أعداد الشهداء من الجنود المصريين نقلا عن تلك المصادر، بينما كان القتال مشتعلا ويصعب على أى جهة حصر أعداد المصابين والشهداء.
السبق الصحفى وإشباع رغبة القارئ فى المعرفة كان العلة الرئيسية، والحقيقة أن رقم القراءات كان المحرك الفعلى للقائمين على تلك الصحف دون أدنى اعتبار للمصلحة الوطنية، وراحوا يلقون باللائمة على الجيش المصرى؛ لأنه تأخر فى إصدار البيانات، وفى نهاية نهار ذلك اليوم شعر الجميع بالخزى والعار عندما تكشفت الحقائق، ومع ذلك تمسكوا بحجتهم الواهية.
وهنا نطرح التساؤل عما إذا كانت هذه المدونة ملزمة للصحف الخاصة! لا سيما وأن الهيئة الوطنية للصحافة قد قامت بإصدارها بعد نقاش موسع أجرته مع رؤساء تحرير الصحف القومية، دون الصحف الخاصة والحزبية، وهو ما يدعو للدهشة والتعجب.
و السؤال الأهم: ما العقوبات التى ستلحق بالصحف حال عدم التزام إحداها بما ورد فى مدونة السلوك الأخلاقى والمهني؟!
وهل تستطيع نقابة الصحفيين فرض الالتزام بالمدونة على جميع أعضائها، بغض النظر عن نمط ملكية الصحيفة التى يرأسون تحريرها أو يعملون بها؟!
سؤال آخر لا يقل أهمية عما سبق، هل الصحفيون مؤهلون أصلا لاتباع هذه المعايير، أم أنهم بحاجة إلى عملية إعادة تأهيل مهنى وأخلاقى؟!
تفتقد نقابة الصحفيين آليات فرض قواعد المهنة وآدابها على الصحف الخاصة، خاصة ما يتعلق بتنظيم علاقات العمل، فهل بإمكانها إلزام الصحف بهذه المدونة، مع العلم أن ميثاق الشرف الصحفى نفسه لم يجد من يطبق معاييره من قبل مجالس النقابة المتعاقبة؟!
إلى ذلك هناك العديد من المفاهيم والأفكار المغلوطة التى تسود نمط تفكير غالبية الصحفيين، وتجعل موقفهم من قضية مكافحة الإرهاب غير جاد فى معظم الأحيان بل ويتسم باللا مبالاة وعدم الاكتراث.
إذ كيف تطلب من صحفى تسكنه قناعة بأن التعاون مع أجهزة الأمن جريمة، أن يحث المواطنين على الإبلاغ عن أى مشتبه به، والشاهد على ذلك النظرة المدينة لزملائنا بأقسام الحوادث، المتهمين دائما بالعمل كمخبرين لدى الشرطة، وهى التهمة التى باتت تطال كل صحفى شريف لعب دورا فى فضح جرائم الإخوان.
كيف نثق فى التزام جاد بهذه المدونة ومجلس نقابة الصحفيين يقف صامتا أمام تطبيع بعض أعضاء النقابة مع العدو الإخوانى بالعمل كمراسلين للمواقع والفضائيات التابعة له، أو الظهور كضيوف على صفحاتها وشاشاتها، وعندما بدأ بالتحرك لا يجد مبررا لشطب عضوية أيمن نور «قواد الإرهابية» إلا امتناعه عن سداد اشتراكات النقابة لسنوات عدة، ولا نعرف ما إذا كان بدل التكنولوجيا لا يزال يصرف للهاربين فى الدوحة وأنقرة ولندن؟!.