متى سنعود إلى الجنة؟ حيث لا ألم، لا وجع، لا مرض، حيث لا موت، نحن بنى آدم الجنة هى وطننا الأول؛ فعندما خلق الله أبانا آدم وأمنا حواء أسكنهما الجنة، وأباح لهما التمتع بكل ما فيها، إلا شجرة واحدة نهاهما عن الأكل منها.
حتى إبليس كان فى الجنة، إبليس الذى وسْوَس لهما، ألا أدلكما على شجرة الخلد وملك لا يَبْلى؛ فأكل أبَوانا من الشجرة المحرمة، حينها كانت المعصية، فأخرجهما الله من الجنة ومعهما إبليس، وجعلهم لبعض أعداء، أنزلهم جميعًا إلى الأرض وجعلها مستقرًّا لهم ومتاعًا، ولكن إلى حين.. نعم إلى حين.. إلى حين وقت العودة.
يا إبليس لِـمَ فعلت ذلك؟ لـمَ وسوست لهما؟ لِـمَ استكبرت؟ ولِـَم لم تسجد لآدم؟! أنت السبب فى خروجنا من الجنة، أنت الذى خلقت العداء بيننا وبينك.
ماذا لو كنا الآن فى الجنة، لا صراع، ولا حروب، ولا إفساد فى الأرض، ولا كراهية، ولكنها حكمة الخالق، جعلنا خلفاء له على هذه الأرض وهو يعلم ما لم تعلمه الملائكة حين قال لهم: «إنى أعلم ما لا تعلمون»، بعد أن قالوا له سبحانه: «أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء».
نزل آدم إلى الأرض ومعه حواء ومعهما إبليس وبدأ الصراع.. وكانت البداية مع ابْنَيْ آدم؛ إذ قتل قابيلُ هابيلَ فكان من الظالمين، وكانت الخطيئة الأولى على هذه الأرض، فكيف طوَّعت له نفسه قتل أخيه؟!.. إبليس ليس وحده عدو الإنسان، بل نفسه أيضًا، نفسه الأمارة بالسوء.
ويستمر الصراع بين الإخوة، ألا ترى ما حدث بين أبناء يعقوب؟! حينما أراد إخوة يوسف قتله، حتى اتفقوا على أن يجعلوه فى غياهب الجُبِّ، كيف سوَّلت لهم أنفسهم هذا الصنيع؟! كيف زينه إبليس فى قلوبهم؟! كيف عُمِّيت بصيرتهم وأبصارهم؟! كيف هان عليهم أخوهم؟! وكيف لم يَرِقُّوا لدمع أبيهم فيعترفوا بإثمهم ويرحموا شيبته؟!
ومن حينها ودائرة الصراع تتسع وتمتد.. وتناسَيْنَا أن عداوتنا مع إبليس.. فقد أنجب إبليسُ «أباليسَ» كثيرين ووزع عليهم المهام.. هل رأى أحدكم أبناء إبليس؟! أنا رأيتهم، رأيتهم وهم يحرقون أوراق الشجر، وحينما واجهتهم بالحقيقة، أنكروا جرائمهم كلها.. قلت لهم: لماذا تفسدون؟ قالوا: إنما نحن المصلحون!.. فحاربتهم، ورغم أنهم جبناء، إلا أنهم انتصروا عليَّ، كنتُ وحدى وكانوا كُثرا.
وفى ظل وجود إبليس سيستمر مسلسل الإفساد، وتبقى الصراعات، وكلما أوشكت جذوتها على الانطفاء صبَّ على نارها الزيت، فتشتعل أكثر وأكثر، لن يهدأ له بال ولن تقرَّ له عين، إلا إذا قدمنا للنار قربانًا، وحينها يقول: ما كان لى عليكم من سلطان.
يا الله، أنت لم تأمر أبناء آدم بالقتل، ولا بالحرب، ولا بإفساد الأرض التى استخلفتهم فيها، ولكن أمرتهم بالإعمار والإصلاح، أمرتهم بالتعاون والترابط، أمرتهم بالحب والأمل فى الخير، ونهيتهم عن اتباع طريق إبليس العدو، فعصوك كما عصاك، فأصبحوا شركاء له فى الخطيئة.
ومهما يكن سنصبر على الألم وعلى المرض، ولن نخشى الموت طالما أن بعده حياة.. نريد أن نرجع إلى الجنة فنحن أبناؤها.. وإذا سأل أحدهم من أين أنتم؟ قلنا: نحن من الجنة، ثم انتقلنا إلى الأرض، وسنرجع إلى الجنة.. ولكن لسنا جميعًا عائدين، وهذه حكمة الخالق من الخروج؛ فقد انتقلنا إلى الأرض للابتلاء والاختبار، وسيرجع إلى الجنة فقط من يقبله الله فيها.. الله العظيم.. الغفور الرحيم.. شديد العقاب.
سنصبر حتى تأتى ساعة الرجوع، الرجوع الذى ليس بعده رجوع؛ لأنه ليس ثمة نزول بعده، حينها ستكون الجنة مستقرنا ومستودعنا حتى لا حين.