الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فلسفة العلم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تمثل المعرفة العلمية أهم إنجاز عقلى حققته البشرية حتى الآن. من هنا ينبغى على الحكومات والهيئات الخاصة والمؤسسات التجارية فى مصر أن تحرص على دعم البحث العلمى، رغم ما يقتضيه ذلك من تكلفة مالية عالية، فضلا عن أن الفائدة العملية المرجوة من هذا الدعم لا تتحقق مباشرةً وعلى الفور. ومع ذلك؛ فإن الاستثمار فى مجال البحث العلمى هو الاستثمار الحقيقى والمضمون، والواقع أن التخوف من الاستثمار فى هذا المجال ليس له ما يبرره، إن الاستثمار فى مجالات العلم والبحث العلمى يحقق عائدًا يفوق كل تصور، وتجارب الأمم التى سبقتنا فى تحقيق الرقى والتقدم هى خير دليل وبرهان على ذلك.
ورغم الاهتمام الكبير الذى يبديه المجتمع للعلم والعلماء، والمتابعة الدقيقة لمسيرة التقدم العلمى؛ فإن تساؤلات كثيرة ما زالت مطروحة وتتعلق بطبيعة العلم وطريقة عمله. الكثير من هذه التساؤلات لا ينشأ عادةً من خلال دراسة العلوم المتخصصة، فعلم الفيزياء مثلًا يهتم بتقديم تفسيرات لسبب حدوث سلسلة من التفاعلات التى تحدث فى بعض المواد ولا تحدث فى البعض الآخر. ولكن ليس من مهام علم الفيزياء تقديم إجابة شاملة للسؤال الذى يدور حول الخصائص التى يجب أن يتسم بها التفسير كى يكون مقبولًا بطريقة علمية. وعلماء الأحياء يدرسون تجمعات من ذباب الفاكهة من أجل التوصل إلى كيفية تأثير العوامل الوراثية عليها، لكنهم لا يتجهون - كعلماء أحياء - بطريقة كلية وشاملة إلى بحث قضية علاقة الملاحظة بالنظريات. ليس معنى هذا أن علماء الفيزياء أو علماء الأحياء ليس بمقدورهم مناقشة مثل هذه الموضوعات أو توضيحها. ولكنهم إذا قاموا بهذه المهمة، فإنهم يكونون بالأحرى يتحدثون بطريقة فلسفية عن العلم، أكثر من كونهم يقومون بنشاط علمى.
ولقد اختلف الباحثون فى تحديد المعنى المقصود بعبارة «فلسفة العلم»، لكنهم يتفقون على أن «فلسفة العلم» ليست جزءًا من العلم ذاته، وإنما هى ذلك الفرع من الفلسفة الذى يستهدف فحص العلم وتحليله بطريقة نقدية. وكذلك تسعى «فلسفة العلم» إلى فهم أهداف العلم ومناهجه ومبادئه وتطبيقاته وإنجازاته. إن «فلسفة العلم» ليست – كما يبدو للوهلة الأولى– مبحثًا ضئيل الشأن، ولا صاحبها باحثًا معزولًا فى «برج عاجى»، بل إن قضايا العلم كثيرًا ما تمس مجالات السياسة والدين مسًا مباشرًا، وبالتالى فهى تبعث الروح وتجدد الحيوية لهذه المجالات.
أدى هذا الفهم الصحيح لـ«فلسفة العلم» إلى احتلال الفلسفة مكانة مرموقة لدى العلماء. وقد قدم لنا اهتمام العلماء بالجوانب الفلسفية للعلم دليلًا واضحًا على مدى ما يمكن أن يستفيده العلم من الفلسفة، فلا شك أن كثيرًا من التغيرات الأساسية فى العلم كانت تتحقق دائمًا بالتعمق بحثًا عن الأسس الفلسفية للمشكلات التى اعترضت طريق العلماء. وعلى الجانب الآخر؛ فإن تطور العلم أحدث تغيرًا هائلًا فى النظرة الفلسفية للعالـَم. إن الفلسفة الحقة لا تتنكر للعلم السائد؛ لأن العلم السائد فى عصر ما يؤثر تأثيرًا عميقًا فى نظرية المعرفة فى ذلك العصر. وأى تغير جذرى فى العلم يتبعه رد فعل فى الفلسفة.
ومهما يكن دور العلم فى بيان حدود ما يمكننا معرفته؛ فإنه يواصل تناوله للقضايا الفلسفية المتعلقة بطبيعة معرفتنا للواقع. ومن ثمَّ تبلورت الإشكاليات العلمية وطفت على السطح، مثال ذلك: التساؤلات الخاصة بعلاقة النظرية بالتجربة، وطبيعة التفسير، ومدى اقتراب العلم من الحقيقة (وإمكان توصل العلم للحقيقة).
وقد صارت فلسفة العلم، فى العقود الأخيرة، تحتل مكانة مرموقة فى الفلسفة بوجه عام. وعلى الرغم من أنه ما زال هناك فلاسفة يعتقدون أن النظريات المتعلقة بالمعرفة والواقع يمكن أن تتطور بواسطة تأملات خالصة؛ فإن كثيرًا من الأعمال الفلسفية المتداولة تستمد قيمتها وضرورتها من أنها تأخذ فى اعتبارها مدى تطابقها مع الكشوف العلمية. 
فعلى سبيل المثال، نجد أن فلسفة العقل على علاقة وثيقة بعلم النفس التجريبى، وأن نظريات العلوم السياسية تتقاطع مع علم الاقتصاد. وهكذا فإن فلسفة العلم تقيم جسرًا متينًا بين البحث الفلسفى والبحث العلمى.
لقد ربطت فلسفة العلم نفسها أكثر فأكثر، لا بمجرد قضايا عامة عن طبيعة العلم وصحته، وإنما ارتبطت بالقضايا التى نشأت عن العلم وتمس بشكل مباشر حياة الناس.