الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

سلامة موسى الحائر دومًا.. والديمقراطية «10»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ونأتى إلى تلاميذ سلامة موسي. وهم بلا عدد، ولعله لا يعرف أغلبهم فكتاباته لاحقت الكثيرين، وهو قد ابتدع فكرة لم يكررها غيره إذ اشترى مطبعة وأسس لنفسه دار نشر وجعل يطبع كتبه التى تواصل عددها لتصبح بلا حصر ويعيد طبعها حتى أصبحت فى عديد من الأيدى ليتعلموا ويتتلمذوا، وفى جمعية الشبان المسيحية كان سلامة موسى متواصلا مع جمهور يتزايد ويتجدد. ونبدأ مع واحد من أهم تلاميذه د. لويس عوض الذى تحدث عن تتلمذه على يدى سلامة موسى قائلا «كان طه حسين مهيبا وعباس العقاد شامخا أما سلامة موسى فكان متواضعا «لويس عوض- أوراق العمر- (١٩٨٩) ص ٤٦٢» ويقول «قرأت أكثر مؤلفات سلامة قبل أن أقابله فى جمعية الشبان المسيحية حيث كان يعقد ندوات دورية مساء كل خميس». 
وقام سلامة بتوجيه تلميذه إلى قراءة منظمة للأدب الإنجليزى وكان يناقش معه ما يقرؤه أولا بأول. وكان سلامة هو من وجه لويس عوض إلى قراءة كل مسرحيات برنارد شو وآخرين من رواد النهضة الأوروبية»، ويقول لويس إن سلامة كان صارما فى توجيهه إلى تنظيم ثقافته الذاتية وكان مرشده الفكرى ويوجهه إلى تثقيف منظم ومثمر. 
ويقول لويس عوض «إن توجيه سلامة له كان فى مجال الأدب الإنجليزي، أما فى الأدب العربى القديم وآراؤه فى المثقفين المعاصرين فكانت غير موضوعية، فلجأ إلى تثقيف نفسه بالأدب العربى فى دار الكتب» وهكذا كان لويس عوض يستفيد من منهلي سلامة موسى ودار الكتب. ويتحدث لويس عوض عن سلامة موسى قائلا «ما أن يبدأ سلامة الكلام حتى يتدفق علمه الموسوعى ويتجلى ذكاؤه الحاد كالنصل القاطع الذى كان يمثل أحد جوانب شخصية سلامة موسي».
ومن تلاميذه أيضا. د. رشدى سعيد، وكان رشدى تلميذا مواظبا فى صالون سلامة موسى بجمعية الشبان المسيحية ويقول إنه كان داعيا للتجديد، ومنفتحا على ثقافات العالم بدرجة لم يسبقه إليها أحد، ويقول «وقد وجهنى سلامة موسى لقراءة الأدب العالمى وعندما علم أننى أدرس الجيولوجيا. شجعنى على دراسة علم الحفريات القديمة التى كانت أحد أهم دلائل صحة نظرية التطور لداروين»، وإذ توطدت العلاقة بين رشدى سعيد وأستاذه نشر له أولى مقالاته فى المجلة الجديدة فى بداية الأربعينيات. وكان سلامة موسى مهتما بتلميذه إلى درجة أنه ذهب لتوديعه فى محطة السكة الحديد ليستقل القطار متجها لبورسعيد كى يستقل الباخرة متجها إلى زيورخ بسويسرا، ونال رشدى سعيد الدكتوراه فى علم الحفريات من جامعة هارفارد، «وهكذا كان سلامة موسى يتخذ من ندوته فى جمعية الشبان المسيحية منجما لانتقاء تلاميذ نجباء يحققون له طموحه فى تقدم وطنه».
ويتحدث فكرى أندراوس (المرجع السابق- ص ٢٢٢) عن دور هذه الندوة كجمعية ثقافية اجتماعية غير دينية يؤمها بجانب المسيحيين المسلمون واليهود والبهائيون، ولم يكن يحاضر الشباب فقط بل كان يساهم فى بناء مكتبة مهمة للجمعية سواء للقراءة أو للاستعارة وهكذا جعل منها منطلقا للتنوير. ولم يمتد تأثير سلامة موسى للشباب المصرى وحده، وإنما للباحثين العرب أيضا. وكان سلامة موسى صبورا وشديد الإلحاح فى تربية تلاميذه ومصمما على توجيههم وفق رؤيته. ولا يقبل فى ذلك أى مساومة.
وكذلك كان الأمر مع ابنه، وتقرأ فى كتاب رؤوف سلامة موسى «سلامة موسى أبي- دار ومطابع المستقبل ١٩٩٢- (ص٢٠٧)» عن الفترة التى قضاها فى إنجلترا ما بين ١٩٥٢- ١٩٥٧ حيث كان يعد رسالة الدكتوراه فى الطب البيطرى أنه كان يواصل توجيهه عبر علاقة صداقة ومحبة وكان يشكو إليه فى رسائله بعضا من أوجاعه، وكان يستحث ابنه على القراءة خارج تخصصه الدراسى لتوسيع أفقه والتعرف على العالم، ويقدم رؤوف مقتطفات عن رسائل أبيه إليه وفيها نقرأ «تعلم التمدن- تعلم الحب. تعلم الشرف.. حدد أسلوبك وهدفك فى الحياة، عندما تصل إلى إنجلترا وتستقر اشتر لى الكتب التالية.. لأنى أريد أن أتعلم كما تتعلم أنت. أنا أطالبك بالحصول على شهادتين الأولى فى البكتريولوجية، والثانية فى التمدن. 
تعرف على الجمعية الفابية، ستجد هناك أعضاء متقدمين فى الأدب والاجتماع، يجب أن تصادق الإنجليز والإنجليزيات، وتعرف على ما يقرأون وكيف يسلكون، أريدك أن تتغير إلى أعلى يا رؤوف وألا يمر عليك أسبوع دون أن تقرأ كتابا إنجليزيا، وعندك المكتبات العامة التى تستطيع أن تستعير منها، أنا لم أرتح إلى قولك إنك لا تقرأ كتبا، إذا ماذا تقرأ؟ حين كنت أنا فى إنجلترا كنت أقرأ ثلاثة أو أربعة كتب كل أسبوع من المتحف البريطانى وبمكتبته نحو أربعة ملايين كتاب هى أثمن ما تقتنيه إنجلترا من ثروات. اليوم الأحد، أحد الزعف كل سنة وأنت فى ألف عافية وسلام وقد اشترينا زعفة لابن شقيقتك مؤنس، وقلت له يجب أن نضع فيها قربانا فلم يفهم معنى هذه الكلمة وكأن بيتنا بيت كفار» ثم يشكو لابنه «اشتبكت فى شجار مع أدباء مصر، أدباء فاروق، وتكال لى الشتائم هذه الأيام بالإردب، ولكن بعضهم كان يعجب بى كثيرا حتى أنه يعبر عن إعجابه بالتلغراف. انتخب لمجمع فؤاد اللغة العربية توفيق دياب وآخر مفتش فى وزارة المعارف وليس لواحد منهما مؤلفات بالعربية، أصبح هذا المجمع ناديا لشرب القهوة هل تعرف أن ثلاثة أرباع أعضائه من خريجى دار العلوم الذين لا يعرفون لغة أجنبية وأنه مضى عليه ١٤ أو ١٥ عاما ولم يصدر غير ثلاثة أعداد من مجلته.. يجب أن تعيش طيلة عمرك فى غرفة تحتوى على ثلاثة آلاف كتاب على الأقل، تقرأ فيها فى الليل والنهار. صحتى حتى الآن جيدة من يرانى لا يصدق أننى بلغت ٦٦ عاما وأنا أشعر أننى بحاجة إلى مزيد من القراءة والتعلم.. فكن مثلي».
ونتواصل مع رؤوف سلامة موسى ونصائح والده.