الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مانديلا والكتاب الأسود!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الشعب الشجاع لا يخشى المسامحة، من أجل السلام.. هكذا كانت رؤية الزعيم الراحل نيلسون مانديلا، واستطاع أن ينتقل ببلاده من حكم الأقلية بنظام الفصل العنصري إلى الديمقراطية متعددة الثقافات، معتبرا المصالحة الوطنية، المهمة الأساسية في فترة رئاسته للبلاد والتى لم تتخط دورة واحدة فقط.

رحل عنا نيلسون مانديلا إلا أنه قدم لنا العديد من الأفكار التى ستظل تثري الإنسانية كلها، أمضى 27 عاما في السجون دفاعا عن الحرية، رفض الخروج من السجن عبر صفقات سياسية، أصر على أن يكون نصيرا لحرية شعبه وإنهاء الحكم العنصري بأي طريقة، تسامح مع النظام الذى أسكنه السجن سنوات شبابه، حتى أصبح أيقونة الحريات فى العالم.
لا أريد الحديث عن مانديلا الإنسان ولا مانديلا الحقوقي ولا حتى مانديلا الزعيم، وإنما أقف أمام أفكاره وأسلوبه وجرأته في المصالحة مع خصومه من أجل بناء دولة ديمقراطية حديثة، تطوى صفحات الماضي الكئيب والمظلم لتفتح آفاقًا للمستقبل، ساهم مع شعبه في تأسيس لدولة حديثة بهرت العالم وشجعته على مساعدتها في أن تنضم لمصاف الدول الديمقراطية في العالم، قدم نموذجا للزعيم الذي لا يتشبث بالسلطة، وإنما الاكتفاء بوضع البلاد على الطريق الصحيح، ثم ترك المجال للآخرين كي يقدموا ما لديهم من خبرات وكفاءات.

لعلنا نتذكر كيف نظمت جنوب إفريقيا كأس أفريقيا لكرة القدم في 1996، واحتفاء العالم بإنهاء نظام التمييز العنصري، كذلك اعتبر كثيرون أن منح جنوب إفريقيا شرف تنظيم كأس العالم لكرة القدم فى 2010 لأول مرة في القارة السمراء تكريمًا لهذا البلد الذى استطاع أن ينتقل من الاستبداد والعنصرية إلى الحرية والتقدم الصناعي والانفتاح على العالم المتحضر.

للأسف ونحن نودع جسد الزعيم الإفريقي الرائع نيلسون مانديلا نقف حائرين أمام ما يحدث في بلدنا، هناك من يتحدث عن الربيع العربي وأن الشعوب العربية تمردت على حكم الفرد وعلى مشارف توديع زمن الاستبداد، إلا أنه للأسف هذا الأمر غير صحيح على الإطلاق، بل يتم احلال الاستبداد الديني بالاستبداد السياسي، وسط غياب ثقافة التسامح وانتشار ثقافة الكراهية والحض على الآخرين.

كيف نبحث عن مستقبل أفضل لبلادنا ولا يزال الكثير منا متربصا بالآخر، سواء المختلفين سياسيًا أو دينيًا أو فكريًا، الكل يتحدث عن ضرورة الوصول لمستقبل أفضل لوطننا ولشعبنا، ولكن كيف ذلك وفكرة المصالحة غير واردة، الكل ينبش في الماضي، الكل يبحث عن العقاب الذى سيلحقه بالمخالفين معه، الكل تناسى أن هناك شيئًا اسمه "الغفران"!

الله - تبارك اسمه - كثيرا ما يواجه أخطاء البشر بالتسامح، ولكننا لا نعرف أن نتسامح مع غيرنا مثلما لا نعرف التسامح مع أنفسنا، لماذا نفتش في قلوب وعقول الآخرين؟، لماذا نتوقف عند أخطاء الأنظمة والأفراد طويلًا دون أن تكون لدينا أفكار للبناء وإنارة العقول؟!

دعونا نواجه المستقبل بشجاعة ونغفر للمسيئين إلينا كما نطلب العفو والغفران من الله، دعونا نترك القضايا والأحداث التي عصفت بأوطاننا للقضاء والتاريخ، فحكم أي منهما أصعب وأقسى من حكمنا نحن، دعونا نتوقف عن التفتيش فى نوايا الآخرين من أجل النهوض ببلادنا، دعونا نعمل بجد من أجل بلادنا بدلا من الهتافات وترديد الأناشيد، دعونا ننظر للأمام وتوديع آلام الماضي كما فعل مانديلا وليس كما يفعل المعارضون للإخوان في مصر رغم جرائمهم البشعة في حق مصر والمصريين الآن، ولا كما فعل معارضو بن علي في تونس عبر كتابهم الأسود الذى يفضح أكثر مما يصفح!