الثلاثاء 18 مارس 2025
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تورط الرئيس في العنف!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ما حدث يوم الجمعة الماضي في المقطم هو تحول كبير في مسار الثورة المصرية، التي لم تحقق من أهدافها ومبادئها شيئًا يذكر حتى هذه اللحظات، بل على العكس.. فإن الثورة التي بدأت سلمية ومدنية وشبابية، واخططت لنفسها هذا المسار منذ لحظاتها الأولى، وحافظت عليه طوال العامين الماضيين؛ نجح الساسة والحكام الجدد في تحويل مسارها بالخروج عن قضبانها لتركب قضبانًا أخرى هي العنف والفوضى؛ مما سيكون له أثر كبير في جينات المصريين عمومًا على المدى القصير والبعيد.
فالجين المصري المكون من الاعتدال والوسطية، ليس فقط في الأمور الدينية ولكن السياسية أيضًا، تحاول النخبة الجديدة حقنه بمادة مضادة تحمل في مكوناتها فيروسًا يقتل الاعتدال ويخلق مكانه “,”العنف السياسي“,”. يحدث هذا بقصد أو بدون قصد؛ فالجريمة والمسئولية واحدة، وتقع على عاتق جماعة معينة يشاركها المسئولية معارضة لم تبلور سياسات واضحة، واحترفت الحديث من خلف كاميرات القنوات الفضائية.
كان واضحًا في مسرح الأحداث أمام مكتب الإرشاد أن هناك من يرغب في قطع “,”شعرة معاوية“,”، وأن تنزلق الثورة إلى الهوية والفوضى والاحترب الداخلي بين فئتين مغرر بهما: الأولى مغرر بها تحت “,”ستار الدين“,”، والثانية كان مغررًا بها “,”باستكمال الثورة“,”. ونسي الجميع بأن هناك ثورة لا بد أن تقوم، ثورة على الفقر والجهل والمرض، ثورة لإعادة البناء الحقيقي للإنسان المصري؛ لاستعادة الريادة والمكانة المصرية في المنطقة.
وبدلاً من أن يقوم الرئيس بمحاولة رأب الصدع بين هاتين الفئتين والدخول في حوار ناجز بين الجميع، خرج علينا بخطاب، أقل ما يوصف به أنه يؤجج الصراع ويحرض على ممارسة المزيد من العنف. فقد جاءت كلمة الرئيس أمام مؤتمر “,”إطلاق مبادرة دعم حقوق وحريات المرأة المصرية“,” متناقضة، وتحتوي على العديد من المغالطات، وأبرزها ما يلي:
أولاً: التوقيت.. وكالعادة، جاء متأخرًا للغاية، بعدما تفاقمت الأزمة واستفحلت، وتضخمت بشكل لم يستطيع أن يتعامل معها هو وحزبه، وكانت النتيجة مشهدًا دمويًّا جديدًا يضاف في الذاكرة التاريخية إلى المشاهد السابقة. وبذلك فإن الرئيس ونظامه ومستشاريه لم يختلفوا كثيرًا عن النظام القديم، فهم منفصلون عن الواقع وفاقدو الوعي والرشادة السياسية.
ثانيًا: عدم الثقة في مبادرة المرأة.. حيث جاءت بعد جدل كبير وواسع؛ بسبب رفض بعض التيارات الإسلامية لوثيقة الأمم المتحدة لحقوق المرأة؛ مما أعطى مؤشرًا للكثير من المنظمات النسوية بأن هذه المبادرة هي التفاف على حقوق المرأة ومكتسباتها خلال نضالها طوال القرن المنصرم.
ثالثًا: تأكيد الرئيس على دولة القانون، وفي نفس الوقت يتوعد ويهدد باستخدام إجراءات استثنائية خلال المرحلة المقبلة بسبب تورط “,”أصبعين“,” بالعبث بأمن البلاد في الداخل. وقد نسي فخامته أن الإجراءات الاستثنائية لم تُفد ولن تحل المشكلة، وله فيما حدث في مدن القناة وبورسعيد خير شاهد على ذلك، بل على العكس زادت الموقف تأزمًا، واضطر في النهاية إلى أن يرضخ لمطالب أهلينا في مدن القناة.
رابعًا: ممارسة الرئيس التحريض على وسائل الإعلام، وتشجيعه لحصار مدينة الإنتاج الإعلامي؛ من خلال قوله إن هناك بعض القنوات الخاصة التي تتحكم وتوجه الرأي العام، وقد نسي سيادته بأنه هو وجماعته الذين وفروا المادة الإعلامية لهذه القنوات؛ من خلال ممارسات سياسية خاطئة، والتعدي على مراسلي وسائل الإعلام.
خامسًا: امتلاك أدلة مشكوك فيها.. فتأكيده على محاسبة المتورطين من السياسيين في أعمال العنف، وأنه يمتلك الأدلة والبراهين، كما قال ذلك من قبل، ولم يقدم شئيًا يذكر إلى القضاء؛ قلل من مصداقيته في الشارع.
سادسًا: اللغة السياسية المستخدمة.. فقد جاءت خالية تمامًا من الانضباط اللغوي، وتحمل في طياتها المعنى وعكسه في ذات الوقت. فالرئيس نفسه لا يستمع إلى أحد سوى مكتب الإرشاد وحزبه وعشيرته، أما باقي القوى السياسية، وشركاء ميدان التحرير، فقد أصبحوا اليوم أعداءه.
إن ما حدث في المقطم يدق ناقوس الخطر؛ لأنه يمثل بداية حقيقية لحالة احتراب داخلي، وتحويل الصراع السياسي إلى عنف أهلي لن تحمد عقباه، وهو ما يمثل رِدة في مؤشرات التحول الديمقراطي، وردة على أهداف الثورة، وكان يمكن معالجة واحتواء الموقف، وغيره، بقليل من الإجراءات التي تخدم أهداف الثورة.
اللهم بلغت وحذرت.. اللهم فاشهد.. واحفظ مصر من غباء ساستها يا رب العالمين.