من خلال موقع رصيف ٢٢، نادية مراد تروى القصة الكاملة، حول اختطافها واغتصابها من قبل إرهابيى تنظيم الدولة الإسلامية، وهى التجربة التى جعلت منها امرأة بهذه القوّة.
تقول نادية: «كنت أنظُر إلى ساقيّ، الدم يجرى فوقهما، لم أود أن أصدّق أن هذا الجسد المنتهك هو (أنا)». نادية مراد، التى تفضّل مناداتها بالاسم المعروفة به فى قريتها وبين أهلها، ماردلين. لم تكن المرة الأولى التى تجد فيها نفسها بهذه الحال. لكنها أصعب من سابقاتها بكثير. جسد نحيف، وهيئة ضعيفة لا يمكنها احتمال تلك الجحيم. لكنها تكرر أن شتائم وإهانات إرهابيى تنظيم الدولة الإسلامية، كانت مميتة أكثر من التعذيب الجسدى والاعتداءات الجنسية.
ماردلين،، هى فتاة أيزيدية لم تكمل العشرين من عمرها، عيناها سوداوان ذابلتان وبشرتها شاحبة، تلفظ أنفاسها بين كلمة وأُخرى. وتقول: «عندما كان يغتصبنى الواحد تلو الآخر، كانت صورة أمى كالطّيف الأبيض لا تفارق مخيلتي، كنت أخاف أن أفتح عينيّ وأرى ما يفعلونه بي، كانت أصواتهم أشدّ تعذيبًا».
وتضيف: «كانوا يضحكون بصوتٍ عالٍ، يستهترون ويستهينون بجسدى الضعيف، ويبصقون فى وجهى باستمرار، حتى شعرى لم يسلم منهم، كنت أرى أصابعهم ممتلئة بالشعر، فكلٍ منهم أخذ حصته وهو يجرنى نحوه».
ليست ماردلين الوحيدة، بل عاشت وتعيش لليوم، أكثر من ٣٠٠٠ فتاة وامرأة أيزيدية من قضاء سنجار، المأساة ذاتها. إذ يتم الاتجار بهن، واستخدامهن كغنائم حرب وسبايا، ويُمنحن كجوائز فى المسابقات الدينية المنظمة من قبل داعش. كما تعلّق صورهن فى أماكن مختلفة مخصصة ومعلنة، لغرض البيع أو التبديل والتأجير. تؤكد ماردلين أنها رأت صور المئات من الفتيات معلّقة فى مكان يطلق عليه محكمة الموصل الشرعية، مرفقًا بالصورة لقب المالك ورقم جواله. هكذا، قام مالك ماردلين بتأجيرها لمرات عديدة. توضح: «فى إحدى المرات توسلت إليه وبكيت كثيرًا، قلت له لا ترسلني، أقسمت له إننى سأمزق وجهى بأى آلةٍ حادة، إن أرسلنى لمن طلب تأجيرى منه، فجسدى لم يعد يحتمل، صار يضحك ويقول سأتصل به وأدعى أنّك مريضة هذه المرة».
حتى العادة الشهرية لا توقف الداعشى عن ممارسة الجنس
تروى ماردلين أول اعتداء حصل لها،: «جردنى من ملابسى وجرنى على الأرض، تعامل معى بشكل رخيص. طلب منى أن أخلع بنفسى آخر قطعة بقيت على جسدي، أخبرته أننى فى مرحلة الدورة الشهرية وبكيت وأنا أترجاه ألا يؤذيني، صار يضحك بصوت عالٍ، ويقول غيرك أيضًا قال هذا. أنت تكذبين. حتى تأكد بنفسه، ثم رمانى بقوة. كانت أوّل مرة أكون سعيدة بتلك الدورة، لكن الدورة التى أتتنى خوفًا مثلما حصل للكثيرات من حولي، لم تنقذني. ففى اليوم التالى تم اغتصابي».
توضح ماردلين أنها، والأخريات، تنقلت لأماكن عديدة، بحكم العناصر التى كانت تباع أو تُهدى لهن. تقول: «التقيت الكثير من الفتيات، بعضهن صغيرات جدًا لا تتجاوز أعمارهن ٩ سنوات، وأخريات أمهات برفقتهن أطفال رضّع وكذلك حوامل». وتذكر قصة طفلة فى الحادية عشرة من العمر، ربطوها ليومين، بسياج حديقة البيت المحتجزة فيه، ثم اعتدى عليها اثنان من عناصر داعش، على مدى نهار كامل، لأنها حاولت الفرار. فعقوبة من يخالف الأوامر ويعصيها، أو من يحاول الهرب، هى الاغتصاب الجماعى والبيع بأثمان رخيصة، إلى جانب التعذيب بالكهرباء، والضرب بالأسلاك الكهربائية أو الأحزمة والحبال وغيرها من الأدوات.
عاشت كل أنواع التعذيب، وتقول: «تم تعذيبى بشتى الوسائل، وقاموا بإطفاء السجائر على كتفيّ، ولليوم توجد آثار على كتفى اليمنى. فى اليوم الأول ضربونى فى غرفة جانبية فى قصر عالٍ، قرب الجامع الأكبر فى الموصل. ركلنى أحد الرجال عشرات المرات لأننى صرخت أثناء تحرّش أحد عناصرهم بى داخل المُنشأة التى كانت تقودنا من منطقة صولاخ، وهى منطقة زراعية سياحية جنوب سنجار إلى الموصل.
وتضيف: «كنّا أكثر من ١٥٠ فتاة من قرية كوجو، جنوب قضاء سنجار، وأكبرنا لم تبلغ الـ٢٥، نُقلنا فى ٤ منشآت كبيرة. صرخت وبكيت حينها، وصرخت الفتيات. كنّا نعتقد أنهم لن يلمسونا، ولن يصيبنا مكروه، وأنهم أخذونا كرهائن فقط، بحسب قولهم، إنّما العكس كان صحيحًا.
تعصر أصابعها وتشدّها، وهى تنظر حولها، كأن عينيها الواسعتين تبحثان عن شيء فى تلك الذاكرة القوية، التى حفظت كل اسم قابلته بالتوقيت والزمان.
تضحك وهى تقول: «أتعلمون أن أخى كان جائعًا حين أعدموه برفقة ٥ إخوة آخرين. نعم أطلقوا النيران على الجميع، كنت فى الطابق الثانى من مدرسة قريتنا، ورأيت بأم عينى التراب كالعاصفة يعلو من طرف القرية».
وتكمل ماردلين: «لم نكن نعلم أن هذا سيكون مصيرنا، فكان عناصر التنظيم يتكلمون باسم أبوحمزة المسئول الرئيسي، ويخبروننا أنه لا علاقة للأيزيدية بمعاركهم، فهم يحاربون الحكومة الصفوية وكانوا يقصدون بذلك المالكى والشيعة».
أبلغونا أنهم لن يؤذونا، وعلينا جميعًا التوجه إلى مدرسة القرية. أخى كان قد استيقظ من النوم توًا، فتح الثلاجة ليخرج شيئًا ويأكله، سحبته أمى من يده وصارت تنادينا بصوت عالٍ وخائف: «هيا فلنذهب، الجميع يجتمع فى المدرسة». تضيف: «هكذا فصلوا إخوتى مع الرجال، بعدما سلبوا الذهب والهواتف النقالة والنقود وحتى ألبومات الصور، التى حملها السكان معهم. صعد الرجال فى سيارات بيك آب، وتوجهوا بهم إلى خارج القرية، كانت أصوات الطلقات مروّعة، وهى تمتزج بأصوات النساء والأطفال. الكل كان يبكى ويصرخ، وأمى كانت تبكى وتردد: لم أدع أخاك يشرب حتى كأس ماء، أخذوه إلى المجهول وهو جائع وعطشان».
والدتها التى كانت كالحلم الجميل، والتى كانت تدعوها بـ«كجكوكا منىَ» أى صغيرتي، هى الأخرى مع ٨٤ امرأة مسنّة عُثر عليهن فى مقبرة جماعية فى صولاخ. طيف أمها كان الحارس والداعى الوحيد لبقائها. كثيرًا ما فكرت فى الانتحار وهى تنظر إلى نفسها كجسد عار يعامل بشكل غير إنساني.
لكنها فى كل مرة كانت تلملم بقايا ثيابها الممزقة، وهى تخطط للهروب، حتى وجدت طريقًا يحمل خيارين، إما الموت أو النجاة. نجحت بشجاعة وهربت من داخل الموصل بمساعدة عائلة موصلية فقيرة، لكنها وجدت نفسها فى مخيم للاجئين يطلق عليه مخيم قاضية فى منطقة زاخو فى إقليم كردستان العراق.
تقول ماردلين: «فرحتى بهروبى لم تكتمل، إذ تلقيت نبأ مقتل والدتي، وبقاء ١٨ شخصًا من عائلتى لليوم فى قبضة داعش. أنتظر لقاء من نجا من عائلتى وأنا أضع رأسى على الوسادة وأتوسّل للرب أن أفيق فى الصباح وأجد أن هذا كله كابوس والحياة فى قريتى كوجو طبيعية وجميلة كما كانت».
تختم: «لا يمكننى أن أنكر أن هذا حلم غالبية من التقيتهنّ من الناجيات من قبضة داعش، لكن يبقى هذا الحلم المشروع مجرد حلم وحنين لحياة قد تلد من صلب الإبادة».
انتقلت نادية أو ماردلين، للعيش فى ألمانيا ضمن مشروع إعادة تأهيل ١٠٠٠ من المخطوفات الأيزيديات، الذى بادرت به ألمانيا عام ٢٠١٥. وتحوّلت ماردلين من سبيّة إلى ناشطة مدنية عالمية، تجول أرجاء الأرض لترفع صوت قريناتها، وقد رشحتها الحكومة العراقية لنيل جائزة نوبل للسلام.