توقفنا فى المقال السابق عند لقاء الرئيس مرسى ومدير المخابرات العامة اللواء رأفت شحاتة يوم الثلاثين من يونيو ٢٠١٣، والذى أخبره فيه بأن القوات المسلحة تجهز بيانًا للشعب حال عدم خروج مرسى للناس ببيان يعدهم فيه بتغيير وزارة هشام قنديل وإعفاء النائب العام الجديد من منصبه وإجراء استفتاء فى موعد قريب على الانتخابات الرئاسية المبكرة، إلى جانب تشكيل لجنة وطنية لتعديل الدستور الجديد وفق ما تراه القوى الوطنية المختلفة، ولكن مرسى وكالعادة ظل يردد طوال اللقاء «هانشوف» فى اعتراف صريح منه بأنه ليس صاحب القرار، ولكن عليه أن يعود أولًا إلى مرشده الذى بايعه على السمع والطاعة فى المنشط والمكره، وكذلك نائب مرشده خيرت الشاطر، والذى كان المرشح الأول للرئاسة، فلما استبعد واستبدل بمرسى حلف له الأخير أن يعود إليه فى كل كبيرة وصغيرة، وها هو اللواء رأفت شحاتة يغادر دار الحرس الجمهورى، ويجرى اتصالا بالفريق أول عبدالفتاح السيسى يطلعه فيه على ما دار بينه وبين الرئيس وأن المحصلة النهائية هى لا شىء، فلا أمل فى هذه القيادة التى أتت بأهداف ليست وطنية، وعلى الجانب الآخر، أجرى مرسى اتصالًا بالمرشد الذى نصحه بأن يصمد وأن لا يتخذ أى إجراءات أو تنازلات، فهذه الجموع ستعود إلى بيوتها خلال ساعات وسينتهى الأمر، وعليه ألا يلتفت إلى هؤلاء الذين يخيفونه بالجيش، فالجيش يعلم أن سيناء مليئة بالمجاهدين الذين سيقفون ضد أى محاولة للخروج عن الشرعية، والأمر سينقلب إلى حرب أهلية لا يقدر الجيش عليها، هكذا كان تحليل الموقف عند الإخوان، ولكنهم فوجئوا جميعًا عبر شاشة التليفزيون ببيان القيادة العامة للقوات المسلحة، والذى جاء بصوت العقيد ياسر وهبة، وفيه «إن الأمن القومى للدولة معرض لخطر شديد إزاء التطورات التى تشهدها البلاد، وهو يلقى علينا بمسئوليات كل حسب موقعه للتعامل بما يليق من أجل درء هذه المخاطر، لقد استشعرت القوات المسلحة مبكرًا خطورة الظرف الأمنى وما تحمله طياته من مطالب الشعب المصرى العظيم، ولذلك فقد سبق أن حددت مهلة أسبوعًا للقوى السياسية بالبلاد كافة، للتوافق والخروج من الأزمة، إلا أن هذا الأسبوع مضى دون ظهور أى بادرة أو فعل، وهو ما أدى إلى خروج الشعب بتصميم وإصرار وبكامل حريته على هذا النحو الباهر الذى أثار الإعجاب والتقدير... «إن القوات المسلحة تعيد وتكرر الدعوة لتلبية مطالب الشعب، وتمهل الجميع ثمانٍ وأربعين ساعة كفرصة أخيرة لتحمل أعباء الظرف التاريخى الذى يمر به الوطن الذى لن يتسامح أو يغفر لأى قوى تقصر فى تحمل مسئولياتها، وتهيب القوات المسلحة بالجميع بأنه إذا لم تتحقق مطالب الشعب خلال المهلة المحددة؛ فسوف يكون لزامًا عليها استنادًا إلى مسئوليتها الوطنية والتاريخية، واحتراما لمطالب شعب مصر العظيم، أن تعلن عن خارطة مستقبل وإجراءات تشرف على تنفيذها بمشاركة جميع الأطياف والاتجاهات الوطنية المخلصة».. إلخ.. هنا ارتعدت فرائص مرسى وهو يستمع لبيان القيادة العامة للقوات المسلحة، وهاج وماج أمام ضباط الحرس الجمهورى، وكان فى حالة عصبية جعلته يردد بشكل هستيرى: «أنا القائد الأعلى للقوات المسلحة.. أنا الرئيس.. أنا رئيس الجمهورية، كيف يذاع هذا البيان دون إذنى»، وفى الوقت الذى كانت الدكتورة باكينام الشرقاوى تجرى اتصالًا بصلاح عبدالمقصود، وزير الإعلام، لتسأله: كيف تمت إذاعة هذا البيان دون إذن الرئيس، كان مرسى يجرى اتصالًا بالمرشد العام للجماعة، والذى نصحه بالاتصال فورًا بالرئيس الأمريكى وإبلاغه أن الجيش يتدخل فى المشهد السياسى، وسيؤدى ذلك إلى تعطيل حركة الديمقراطية، وبالفعل قام عصام الحداد بطلب البيت الأبيض كى يتحدث مرسى مع أوباما، والذى لم يكن موجودًا بمكتبه حينها؛ حيث كان فى زيارة لتنزانيا، وشعر مرسى بالمأزق الذى يواجهه، فالساعات تمر ومهلة الثماني والأربعين ساعة ستنتهى والجيش هذه المرة لم يترك الأمر للظروف، ولكنه حدد ما سوف يفعله، إنها خارطة المستقبل التى سيضعها مع القوى السياسية كافة، وفى تلك اللحظات العصيبة توالت الأخبار على رأس مرسى كالصواريخ، فهناك أكثر من تسعين دبلوماسيًا تقدموا باستقالاتهم، فضلًا عن بعض المسئولين الكبار الذين تقدموا أيضًا باستقالاتهم كمحمد كامل عمرو وزير الخارجية، وهشام زعزوع وزير السياحة، وعاطف حلمى وزير الاتصالات، وعبدالقوى خليفة وزير المرافق، وحاتم بجاتو وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية، كما أصدر حزب «النور» بيانًا يعلن تأييده لمطالب الشعب فى الثلاثين من يونيو، وأصدر الأزهر الشريف بيانا يدعو كل مسئول إلى تحمل المسئولية أمام الله والتاريخ والعالم، محذرا من الانجراف إلى حرب أهلية، وأصر مرسى على أن تصدر الرئاسة بيانًا تؤكد فيه أن بيان الجيش من شأنه إرباك المشهد السياسى فى مصر، وعندما اقترب ليل الأول من يوليو، طلب مرسى من رئيس وزرائه إبلاغ الفريق أول عبدالفتاح السيسى الحضور إلى مقر إقامته لاجتماع عاجل فى صباح اليوم التالى، وبالفعل التقى مرسى مع القائد العام فى حضور هشام قنديل، وهو اللقاء الأهم والأخطر، بل هو لقاء المواجهة، والذى سنسرده تفصيلًا فى المقال المقبل.
آراء حرة
ثورة شعب "2"
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق