قدم بالداخل وقدم بالخارج، عين على اليمين وأخرى على اليسار، مبادرات لمّ ومناورات فرقة، هذا هو حال الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، الإخواني الذي لفظته الجماعة، لكنه ما زال مُعلَّقا بثيابها، والمتأسلم الذي حاول أن يبدو مستنيرا فزادنا نفورا وكراهية في الاستنارة والإسلام السياسي، لا هو مع الناس ولا هو ضدهم، كما كان يوما معارضا لسياسات "مرسي" ومعضِّداً لها في ذات الوقت.
في بيان رسمي أصدره حزبه - الذي يتمسّح في مصر ويراها قوية - دعا الرجل، جموع الشعب إلى المزيد من الضعف، عندما أكّد على ضرورة التصويت بـ "لا" ضد الدستور الجديد، لأنه يراه دستور قهر وقمع وتسلط، لكنه لم يقدم فكرة واحدة عما اعتبره قهرا أو قمعا في هذا الدستور، اختار الرجل أن يبدو نشازا ويزايد على الساسة ورجال الدستور، مجاملة لأصدقائه السابقين في جماعة الإخوان، ومحافظا على شعرة الصلة معهم، سكت أبو الفتوح طويلا على سفك الدماء وإشاعة الخوف ورصاص الموت المنطلق من أفراد وجماعات تزعم أنها "إسلامية"، وعندما تكلّم دعا الناس إلى مزيد من الفوضى والضبابية والتمرّد، في ظل شوق شعبي عارم للحظات راحة وطمأنينة.
إن المصريين يحلمون بالاستقرار والهدوء والأمن، ويعتبرون خارطة الطريق مساراً واضحاً وجليّاً للعودة إلى زمن اللاخوف والإنتاج والتنمية، لا يريد الناس المزيد من المظاهرات وعمليات الشغب والكرّ والفرّ وتعطيل المواصلات وإرباك الأسواق، بل يريدون وطنا طيِّباً أخضر يساهمون في بنائه وينعمون باستقراره، لو كان أبو الفتوح يرى عيبا محدَّداً في الدستور فيما يخصّ الحريات فليقله، خاصة وأن أساتذة وقضاة مشهود لهم بالدفاع عن الحريات شاركوا في وضعه، ولو كان الرجل يرى عيبا في الدستور فيما يخص الدين فليقل لنا ما هو، خاصة وأن حزبا دينيا مثل "النور"، وجامعة تُعدّ حصنا للإسلام هي "الأزهر" قد شاركوا في صياغة الدستور واعتبروه لا يمسّ الدين أو يتنافى مع قيمه، ولو كان الرجل يرى عيبا في الدستور فيما يخصّ القوات المسلحة فليقله لنا، خاصة وأن كل من حضروا المناقشات أكدوا أنه لا تحصين لمنصب وزير الدفاع في الدستور، ولا "عسكرة" للدولة، وإنما هو المقبول والمعقول.
إن كل ذلك يعني أن أبو الفتوح يناور ويداور لشراء بقايا شعبية لعناصر الإخوان في الانتخابات الرئاسية القادمة، يسعى الرجل إلى أن يصبح مرشَّحهم، ويحاول أن يصير رجلهم الجديد، لكنه لا شكّ لا يعلم أن عقارب الساعات لا تعود إلى الخلف، وأن الناس فهمت وعرفت، بعد أن اختبرت وجرّبت.. والله أعلى وأعلم.