إذا كانت اشتراكية سلامة موسى فابية النزعة، منزوعة الثورية وتقوم على أساس التدريجية.. فماذا عن ماركسيته. ثمة دراسة أعدها السيد محمد عشماوى، عنوانها: «سلامة موسى والماركسية» (مجلة الكاتب عدد ١٦١ عام ١٩٧٤ ص ١٢٢).
ونقرأ فى رؤية هذا الباحث «سلامة موسى هو إفراز لإحدى الشرائح المتواضعة من البرجوازية المصرية التى نمت منذ القرن الـ ١٩، وهذا الانتماء الطبقى يفسر لنا حقيقة المعاناة التى عاشها بعد أن قرر أن يربط مصيره بقضية التغيير الاجتماعى، وحاول سلامة موسى أن ينسج نظاما فكريا شاملا متكاملا لكن رؤيته كانت انتقائية لم تشكل وحدة نظرية متكاملة؛ فهو يطرح كثيرا من المفاهيم والقضايا العصرية العامة بقصد التنوير الفكرى أولا، ثم تأتى بعد ذلك التغيرات المقترحة للبنية الاجتماعية، وهو إذ يقوم بتعرية المجتمع وكشف مشكلاته، يكشف معها التغيرات التى تظهر فى تصرفات الأفراد.. إنه باختصار واحد من المفكرين ورجال الخير الإنسانيين الذين يهتمون بتحسين أوضاع الطبقات الكادحة فى إطار المجتمع البرجوازى، وهو واحد من المصلحين الذين يستمدون آراءهم الإصلاحية من فضاء غرفهم. وهكذا فإن سلامة موسى وقد تعرف على الماركسية وأخذ منها بعضا من جوانبها، وبخاصة تفسيرها الاقتصادى لتطور المجتمعات، إلا أنه لم يتلمس تكوين منهاج شامل ولا اتخذ أو أشار أو حبذ اتخاذ أسلوب ثورى كبرنامج لحركة الطبقة العاملة. ولهذا؛ فإننا نستطيع القول عن ثقة بأن سلامة موسى قد تعرف على بعض أفكار ماركس ولينين، ولكنه فى واقع الأمر لم يكن لا ماركسيًا ولا لينينيًا». ثم يمضى عشماوى قائلا: «إن سلامة موسى استخدم كلمة «الاشتراكية» لأول مرة فى مقال له نشره فى مجلة «المقتطف».. وقد اتخذ من قضية الاشتراكية محور دعوته ورسالة وجوده، مؤكدا «أن الحاضر يومئ إلى المستقبل إيماءة واضحة نراها بالعين وأحيانا نسمعها بالأذن هى أن الاشتراكية سوف تعم الدنيا كلها.. وقد تناول هذه الفكرة بدقة ولكن دون تعقيدات نظرية ومتباعدا عن الخلافات المذهبية. وهو يؤكد رغم ذلك «الاشتراكية والتطور، هذان المفتاحان أو البذرتان لثقافتي، ويمكننى أن أرد كل ما أنزع إليه من تجديد فى العمران أو الأدب أو الدين إليه (مقال فى المجلة الجديدة- العدد الأول - نوفمبر ١٩٢٩ ص ٢٨)، وهذه الأفكار حملتنى سابحًا عبر آمال كبيرة وبعيدة ومسرفة فى مستقبل الإنسان القريب فى ظل الاشتراكية»، ثم ينتقل عشماوى إلى «مقدمة السوبرمان»، وينقل منها هجوما ضاريا على النظام الرأسمالى «إلى متى يعيش بيننا روتشيلد وسوارس وأمثالهما ليحرموا الأمة من خبراتها فى نظام رأسمالى قذر»، ثم يقول عشماوى «لقد تأثر سلامة موسى بالماركسية واستفاد منها منهجيا، بمعنى أنه أخذ منها ما يمكن أن يكون علاجا للواقع الاجتماعى المتخلف.. وهو يعترف بأنه إذ تعرف على الجمعية الفابية فى لندن؛ فقد كان يسمع باستمرار تعبير التدرج بمعنى تجنب الثورة والفكر الثورى»، لكنه وفى بداية الثلاثينيات بدأ يتحدث عن الماركسية، مؤكدا «لا يمكن لأحد أن يسمى نفسه مثقفا إذا كان يجهل الماركسية حتى ولو كان يكرهها؛ فالأزمة العالمية التى أتت عام ١٩٣٠ أظهرت قيمة الماركسية فى فهم السياسة العالمية والتطورات التاريخية»، ويضيف «فأنا لا أقرأ الجريدة اليومية ولا أسمع عن خبر سياسى أو مشروع لقانون جديد إلا وأنظر إليه بالمنظار الماركسى من حيث دلالته على النوازع المختفية التى دفعت إليه، فى حين أن من يهمل الماركسية يتخبط بين تقديرات شخصية للسياسيين والحزبيين». ويمضى سلامة موسى مؤكدا «وثمة فارق عظيم، بل عظيم جدا بين شخص قرأ ماركس ودرس تفسيره الاقتصادى للتاريخ وشخص آخر يجهله، والفارق واضح بين من امتاز وجدانه بالحاسة التاريخية التى اكتسبها من ماركس وآخر يحسب أن الحوادث التافهة والخطيرة والاتجاهات السياسية والتطور والثورة والحرب والسلام كلها أشياء تأتى وتجرى جزافا (تربية سلامة موسى - ص١٠٤). وهكذا فإن عشماوى يلاحظ أنه منذ الثلاثينيات أخذ سلامة موسى يكثر من الحديث عن ماركس وعن كتابه «رأس المال»، وتحدث كذلك أكثر من مرة عن البيان الشيوعي. ونجده يتحدث عن ماركس قائلا «وأما ماركس فحسبى أن أقول إنه لولاه لكنت أعد نفسى أميًّا لا أفهم مجرد قراءة الجريدة اليومية. فماركس هو أعظم فيلسوف ظهر فى العالم إلى الآن»، ثم يقول «ومع أنى ذكرت فى كتابى هؤلاء علمونى حوالى عشرين اسما من الأدباء والمفكرين والعلماء الذين وجهوا نشاطى الفكرى وربوا نفسي، فإنى لم أذكر معهم كارل ماركس داعية الاشتراكية، والآن أحب أن أعترف، ما من شخص فى العالم ممن تأثرت به وتربيت عليه مثل كارل ماركس، وإنما كنت أتفادى ذكر اسمه خشية الاتهام بالشيوعية»؛ فالأمر إذن يكمن فى الخوف من الاتهام بالشيوعية، وهى تهمة ظلت طوال هذه الفترات التى عاشها سلامة موسى تهمة غليظة. وهكذا يقف سلامة موسى خائفا من تهمة الشيوعية ويقول ولا يخجل «فى ١٩٥١ كنت عائدا من فرنسا إلى مصر على إحدى البواخر، وكان معى البيان الشيوعى لكارل ماركس، فكنت أقرأه وأطرح أوراقه ورقة ورقة إلى مياه البحر خشية أن يضبط معي. لكنه يقاوم خوفه قائلا «بل أرانى مضطرا إلى الاعتراف بأن السياسى الذى يحيا فى عصرنا، ولم يقرأ بل لم يدرس البيان الشيوعى إنما هو إنسان جاهل وجهله يبلغ أعلى مراتب الخطر؛ إذ لن يستطيع أن يفهم حركة التاريخ الماضى والحاضر والمستقبل»، لكن الخوف يدفع سلامة موسى إلى الحيرة والتردد، وهى حيرة جسّدها فى مقال نشره فى المجلة الجديدة ١٢ أكتوبر ١٩٤١؛ إذ يقول «كنا نقرأ وبعض المغفلين يصدق أن الروس ملحدون لا يؤمنون بدين، وأنهم إباحيون ليس عندهم زواج، وأنهم يموتون كالذباب من الجوع، بل كانت الصحف فى مصر، إذ تحاول الوقيعة بأحد الكتاب تصفه بأنه ملحد وإباحى وشيوعى مثل الروس، وقد نلت من خصومى كثيرا من هذا القول القذر».