لماذا يكره الإخوان ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢؟
ما السبب وراء بث سمومهم لتشويه قائدها جمال عبدالناصر؟
هذه التساؤلات وغيرها، ظلت تشغل «بال» الكثيرين لفترات طويلة، بهدف البحث عن إجابة شافية، تزيح الستار عن إصرار الجماعة المارقة على تزييف الحقائق التاريخية، فكل رواياتهم عن الثورة، مجرد أكاذيب، مجملها يدور فى ترويج المظلومية والتعذيب والادعاءات الباطلة، لتشويه صورة الجيش.
بالمصادفة قرأت مقالًا، كتبه إمامهم ومنظرهم وأهم مرجعية فكرية لهم، هو «سيد قطب»، المقال يبدو فى تقديرى حكمًا تاريخيًا على الجماعة الضالة وإقرارًا من كاتبه، وإن كان التاريخ لا يحتاج إقرارًا بأن ثورة ٢٣ يوليو امتداد طبيعي لثورة ٩ سبتمبر ١٨٨١ وكلتاهما ثورة، فجرها الجيش باسم الشعب.
المقال نشر بمجلة روزاليوسف بعد نحو شهرين فقط من نجاح ثورة يوليو، وتحديدا بتاريخ ٢٠ أكتوبر ١٩٥٢، ضمن سلسلة من المقالات المؤيدة للثورة وللضباط الأحرار أما المقال فجاء تحت عنوان «لسنا عبيدا لأحد».. وإليكم المقال حرفيًا، كما كتبه سيد قطب بدون تصرف.
«كثيرون من المخلصين لهذه الثورة الشعبية المقدسة قلقون فى هذه الأيام من أجل هذه الثورة، كثيرون يلقوننى فيوجهون إلىّ فى لهفة أحس ما وراءها من حرارة وإخلاص، أسئلة كثيرة تحمل هذا المعنى.. بعضهم قلق من ناحية الجبهة الرجعية التى تحاول فى محاولاتها اليائسة الأخيرة، فى عرقلة حركة التموين، وفى إثارة خواطر العمال، وفى خلق المتاعب فى ميادين الاقتصاد والمال، وبعضهم قلق من ناحية الجبهة - التقدمية - التى تتحالف فى هذه الأيام مع الجبهة الرجعية فى إحراج العهد الجديد وفى إعناته بطلب تصريحات لا ضرورة لها، واستعجال خطوات لو تمت لأفسحت للرجعية المجال، وردتها إلى ميدان النشاط السياسى والاجتماعى قبل ثبوت قواعد الثورة وتعمق جذورها، وبعضهم قلق من ناحية أخطاء بعض الوزراء التى تثير سخط الجماهير، وتمنح أعداء الثورة سلاحا ضدها لا يقاوم.. وبعضهم قلق من ناحية الجبهة الاستعمارية لا الأنجلو أمريكية وتربصها بالحركة ودسائسها ومناوراتها المعروفة، وبعضهم قلق لأسباب يتمتم بها ولا يبين.
وكلمتى إلى هؤلاء جميعا أن الثورة ماضية فى طريقها على الرغم من كل ما يوضع فى طريقها، ماضية فى طريقها سواء سالمها خصومها أم حاربوها، بل إنها ماضية فى طريقها حتى لو قدر وشاء القائمون بها أن يوقفوها.
إنها ماضية فى طريقها لأنها لم تولد اليوم، ولم ينشئها الذين قاموا بها ولم تبدأ من حركة الكفاح الشعبى التى سبقتها فى السنوات الأخيرة منذ حرب فلسطين، لقد قامت هذه الحركة منذ أكثر من سبعين عاما، ومن قبل الاحتلال الإنجليزى!
إن ثورة ٢٣ يوليو سنة ١٩٥٢ ليست سوى الامتداد الطبيعى المباشر لثورة ٩ سبتمبر سنة ١٨٨١ كلتاهما ثورة قام بها الجيش باسم الشعب، وكلتاهما ترميان إلى تحطيم الأرستقراطية وإعلان حقوق الشعب.
لا.. بل إن جذور ثورة ٩ سبتمبر لترجع إلى ما هو أبعد، ترجع إلى اليوم الذى وقف فيه جمال الدين الأفغانى - قبيل خلع الخديو إسماعيل- يخطب فى الإسكندرية فى الجماهير يقول:
«أنت أيها الفلاح المسكين تشق قلب الأرض لتستنبت منها ما تسد به الرمق، وتقوم بأود العيال، فلماذا لا تشق قلب ظالمك؟ لماذا لا تشق قلب الذين يأكلون ثمرة أتعابك»؟
هنا كانت قد وضعت بذرة الثورة، الثورة على الإقطاع.. الثورة على الأرستقراطية، الثورة باسم الفلاحين ومن أجل الفلاحين، وبعدها قال الزعيم الشعبى أحمد عرابى قولته الخالدة: «لسنا عبيدا لأحد».. ومن يومها بدأت الثورة.
وعجلة الزمن تدور ووقفها عن الدوران مستحيل.. فإذا كانت بعض العوامل المصطنعة قد عوّقت دورتها سبعين عاما، أو نصف قرن على الأقل فإن هنالك استحالة مادية دون امتداد هذا الأجل، بعد هذا التعويق الطويل.
إن الذين يقلقون على الثورة لأن اختلافا فى وجهات النظر قد وقع مرة بين رجال الثورة مبالغون.. إن الثورة هى التى صنعت هؤلاء الرجال ودفعتهم، وليسوا هم الذين صنعوا هذه الثورة ودفعوها.. إنهم فقط مجرد رمز لثورة جيلين كاملين.. فهم لا يملكون إلا أن يكونوا العلم الذى يرفعه الثائرون! والثائرون سيرفعون هذا العلم، لقد حاولوا أن يرفعوه من قبل، ولكنهم عوجلوا، أما اليوم فقد أعلنوها بالفعل، فمحال أن يعود الزمان القهقرى.. ومحال أن ينكس هذا العلم الذى تحمله الملايين وترفعه هامات القرون!
والذين يقلقون على الثورة لأن الرجعيين وبعض «التقدميين» يتحالفون على إحراجها ووضع الأشواك فى طريقها مبالغون.. إن الثورة تمثل كتلة الشعب الأساسية الضخمة، فكل هذه الأطراف لا وزن لها فى خط سير الثورة، فأما الرجعيون فالزمن ضدهم وطبائع الأشياء ضدهم، والجماهير ضدهم، ولا حيلة لهم إلا فى إلقاء بعض الأشواك التى تسحقها أقدام الجماهير، وأما التقدميون فإما أن يسايروا كتلة الشعب ويعملوا لحساب وطنهم وحده، ويؤمنوا بمقدسات هذا الشعب ويحترموها، وإما أن يذبلوا ويتساقطوا كأوراق الخريف الجافة، لأن الشعب يؤمن بنفسه لا بالتعليمات الواردة من وراء الحدود!
والذين يقلقون على الثورة لأن بعض الوزراء يخطئون أخطاء جسيمة تثير سخط الجماهير مبالغون. فالأخطاء لا بد أن تقع، والوزراء الذين يخطئون لا بد أن يخضعوا لمنطق الثورة أو يذهبوا من الطريق، أما الثورة فباقية وأما الثورة فماضية فى طريقها، وأما الثورة فستجرف كل شىء، وستغطى على كل شىء، وعلى الرغم مما يقع من أخطاء، وعلى الرغم مما يقع من غبن على بعض الضحايا، فتلك قرابين لا بد منها، وآلام لا مفر من احتمالها، فى سبيل مستقبل سعيد.
كل ما ينبغى أن تنتبه إليه قيادة الثورة هو أن تدعم خطوطها الخلفية، وخطوطها الخلفية تقع فى المصالح والدواوين، وتقع فى جهاز التربية والتعليم، وتقع فى تكتلات العمال والفلاحين، وفى هذه الخطوط جميعها يجب أن يكون هنالك رجال مؤمنون بهذه الثورة، رجال مستنيرون ومدركون لحقيقة الواقع، ولديهم فكرة واضحة عن المستقبل وكيف يكون؟.
إن هذه الخطوط الخلفية لا تؤمنها القوانين واللوائح والمنشورات، فكل هذا يمكن أن يستحيل قصاصات من الورق، إذا لم يقم على تنفيذه رجال يفهمون مبادئ هذه الثورة ويؤمنون بها، ويتحمسون لها، ويموتون فى سبيلها عند اللزوم!
إن قيادة الثورة فى حاجة إلى عشرات ومئات من هؤلاء الرجال ليرابطوا فى هذه الصفوف الخلفية، ويجب أن تبدأ فى البحث عنهم، وفرزهم واختبارهم مستعينة فى هذا بكل ما تملك من وسائل الاختيار والاختبار.
وحين تبحث عن هؤلاء العشرات والمئات يجب أن تختصر الطريق وتوفر على نفسها العناء، فلا تروح تبحث عنهم فى التشكيلات الرجعية القديمة، ولا فى صفوف الإقطاعيين والرأسماليين وأذناب العهد السابق، وحملة القماقم لكل زفة والمحاسيب والمأجورين والدلاديل!
إن هذه الثورة لا خوف عليها فى النهاية من الأشواك والعقبات والأخطاء إنها ماضية فى طريقها.. والمستقبل بيد الله مضمون.