كنت على يقين لا يخالجه شك، أن جماعة الإخوان والسروريين، وما تفرع عنهم من حركات متشددة مسيسة، تتاجر بالدين لتحقيق غنائم مادية أو سياسية، لا بد أن يكتشف السعوديون كذبهم وحقيقة أهدافهم الدنيوية لا الدينية يومًا ما، طال الزمان أو قصر.
جاءت الثورات الدموية التى رعتها ومولتها قطر، فحدث ما كنت أتوقعه، وكان للدماء والفتن والقتل والدمار أعمق الأثر فى كشف حقيقة زيف هذه الحركات المتأسلمة، التى ما إن لاحت لها الفرصة، حتى انتهزتها مقدمة نفسها كبديل للأنظمة القائمة. فى البداية انخدع كثيرون، وصفقوا لها، ودعموها شعبيًا، غير أن الحقيقة لا بد أن تفرض نفسها فى نهاية المطاف. لم تنجح من تلك الثورات نجاحًا نسبيًا سوى ثورة تونس التى قفز المتأسلمون إلى قيادتها، غير أنهم ما لبثوا أن تراجعوا إلى الصفوف الخلفية، فقدموا تنازلات صميمية لإنقاذ حركتهم من الفشل، غير أن التونسيين لم يعودوا يصدقونهم، ولا يثقون فى رجالاتهم، الذين تخلوا عن كثير من ثوابتهم التى كانوا يرفعونها فى شعاراتهم لمجرد البقاء فى السلطة، نجحت ثورة تونس، لكنه نجاح نسبى يحتاج إلى زمن طويل وتضحيات مؤلمة كى ينجح نجاحا كاملا. فى مصر فشلوا، وكاد المتأسلمون أن يلقوا بمصر إلى التهلكة، لولا تدخل الجيش فى اللحظة الأخيرة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. أما فى ليبيا وفى سوريا التى يقتتل فيها المتأسلمون، ويكفرون بعضهم البعض حتى اللحظة، فقد كانت فى حقيقة الأمر أفضل مثال واضح وجلى على فشل التأسلم السياسي، بجميع فصائله، ولا ينكر هذه الحقيقة إلا مغالط مكابر.
أزمة قطر مع الدول الأربع كانت فى تقديرى بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير الإخواني. فالسلطة فى قطر كانت هى التى تحرض على الثورات العربية، وهى حجر الرحي الذى طحن سوريا وليبيا، وكاد أن يطحن مصر. القطريون لم يستسلموا لفشل رهاناتهم، وإنما استمروا يحاولون من خلال تنظيم جماعة الإخوان والسروريين فى زعزعة أمن المملكة والإمارات والبحرين ومصر، وكان للأشرطة المسربة لتنظيم (الحمدين) القول الفصل والقاطع الذى يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن قطر ضالعة من خلال جماعة الإخوان، ومعهم مجموعة من السعوديين ذوى اللحى المزورة التى كانوا يخدعون بها الناس، فى العمل لإسقاط الدول الأربع بما فيها المملكة، الأمر الذى عرّاهم وعرّى مزاعمهم وكشف خطورتهم للجميع، فانقلبت الشعوب عليهم، وصار كثير من أساطينهم ودعاتهم ينكرون أنهم متأخونون، بل ويتبرأون من الإخوان، ومن قطر معهم؛ وآثر مجموعة من دعاتهم الحركيين الذين كانوا فى الماضى ما إن تأتى على ذكر قطر حتى ينبروا يدافعون وينافحون عن (كعبة المضيوم) كما كانوا يسمونها، الهروب إلى جحورهم كالجرذان النجسة الموبوءة... أزمة قطر مع دول التحالف الرباعى كانت بردا وسلاما بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، حتى أن بعضهم، وبغباء وسذاجة، عمد إلى لحيته التى كانت كثة طويلة مسبلة على طريقة (اللحى الأفغانية)، أقر فى حديث له أن تطويل اللحية وإعفاءها، ليس ذا أهمية، وكان يريد من هذا القول أن يبدى لينه وتسامحه وبعده عن التشدد، بينما مشكلتنا، ومشكلة الوطن معهم، فى العقلية المتشددة المتكلسة، التى تركب (مطية) الحلال والحرام، والكفر والإيمان، لاستقطاب السذج البسطاء إلى خطابهم السياسى الفارغ الذى يفجر الأوطان.
نقلًا عن «العربية نت»