أسئلة كثيرة تبادرت إلى ذهنى عندما قرأت عن قيام لجنة الفتوى التابعة لمجمع البحوث الإسلامية، وهى إحدي أكبر الهيئات الدينية فى البلاد، بتنفيذ أول تجربة بإنشاء كشك أو محل للإفتاء داخل محطة مترو الشهداء، وهى أكثر محطات المترو ازدحامًا، لتقديم الفتوى لمن يطلبها من المرتادين وأنه سوف يتم تعميم الأكشاك فى باقى محطات المترو المتعددة فى خطوط المترو الثلاثة، وهذه الأكشاك موجودة بجوار أكشاك الصحف والبسكويت والعصائر وأكشاك المحمول والكشري، يعنى ممكن تسميها باللغة العصر فتاوى «تيك أواى» مثلها مثل وجبات «التيك أواى» المنتشرة أيضًا بالمترو يحصل عليها الراكب أو المواطن أثناء انتظاره للمترو كتصبيرة على الجوع.
ولماذا أكشاك ومحلات فتوى بالمترو تحديدًا؟ على أساس أن مصر كلها بتركب المترو ولا يركبون مواصلات أخرى كالأتوبيس والتاكسى والسيارات الملاكى الخاصة، ناهيك عن المواطنين الذين يبعدون فى سكنهم وإقامتهم وعملهم عن المترو أساسًا أو مواطني المحافظات الأخرى ماذا هم فاعلون؟ ربما يذهب بعضهم إلى أقرب زاوية أو جامع للحصول على فتوى وربما يكون شيخ الجامع أو الزاوية غير مؤهل أساسًا، الأمر الذى يزيد الطين بلة..الأمر الآخر هو هل مصر ناقصة محلات فتوى ووعظ بجوار محلات الكشرى بالمترو؟ وما علاقة الفتوى بالمترو وهل هذه سياسة الدولة الجديدة فى تجديد الخطاب الدينى الذى تحدث عنه الرئيس السيسى مؤخرًا ونادى بضرورة تجديد الخطاب الدينى لمواجهة الإرهاب والتطرف؟ وكان من الضرورة أولًا مراجعة بعض الأفكار الدينية من قبل الأزهر الشريف والتى لا تتفق مع العصر، وتحتاج إلى مناقشات ومراجعات، ربما كان إنشاء تلك الأكشاك يؤكد أن المؤسسة الرسمية الدينية تعانى انفصالًا عن واقع المجتمع وتتعارض حتمًا مع ما أكده الدستور من أن مصر دولة مدنية ديموقراطية.
ولا بد من العمل على تطوير المناهج وإعداد جيد لأساتذة وعلماء لديهم الخبرة فى الحديث والإفتاء، ولا بد من توحيد الفتوى ووضع شروط قاسية لمن يتصدى للفتوى وعقوبة لمن يصدر فتوى وهو غير مؤهل لها مثل فتوى إرضاع الكبير مثلًا، بدلًا من إنشاء أكشاك قد تعزز نشر الفكر المتطرف، ثم ما هى الضرورة القصوى لإقامة محلات للفتوى فى المترو والتى من الممكن أن تختلف هذه المحلات فى الفتوى نفسها من محطة إلى أخرى، مثل فتوى فى محطة السادات تختلف عن محطة الشهداء تختلف عن محطة العتبة! وعلى اعتبار أن أى مواطن مزنوق فى فتوى سريعة كده على «السخان» - بلغة سائقى الميكروباص - يدخل على الفور محل الفتوى فى المترو ويستعجل الشيخ القائم بالفتوى، حتى ينجز له الفتوى بسرعة قبل أن يفوته وقت المترو وزمن التقاطر، وهل وجود هذه المحلات يزيد المترو بركة ويطرد منها الشياطين التى تسبب خسائر المترو بشكل كبير خلال الفترات الأخيرة؟، والتى جعلت إدارة المترو مضطرة إلى زيادة سعر التذكرة إلى الضعف بنسبة ١٠٠ ٪ وهل الزيادة القادمة ستشمل مقابل الفتوى بالرغم من إعلان لجان الفتوى أنها مجانية بشرط تسجيل اسم صاحب الفتوى ورقم بطاقته وعنوانه ورقم هاتفه ونوع الفتوى وسببها وهل لها علاقة بالأزمات الاقتصادية التى يعيشها المواطن الآن.
ولماذا ليست هناك محلات أو أكشاك مماثلة للأقباط؟ ولماذا لم يكن هناك ممثلون عن الكنيسة داخل المترو من قبل الإخاء والمساواة ودرءًا لمحاولات البعض إثارة النعرات الطائفية فى المترو، أقصد المجتمع! وربما ارتأت الحكومة المصرية ومؤسسة الأزهر أن هناك فراغًا دينيًا ينتاب المصريين بجانب الفراغ الوقتى، نتيجة البطالة، فقررت المؤسسة الرسمية الدينية ملأه بهذه الأكشاك! وربما كان الهدف المعلن من لجان الفتوى داخل المترو هو الوصول لأكبر قدر من المواطنين لنشر المفاهيم الدينية الصحيحة، ومواجهة الفكر المتطرف ونشر تعاليم الدين الإسلامى الصحيح ومواجهة الفتاوى المضللة التى تحاول بعض التيارات المتطرفة ترويجها مثل الأفكار الداعشية التى تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعى، وهى لا تمت للأزهر الشريف بصلة، ويستهدف أيضًا حماية المواطنين من المتشددين والتكفيريين الذين يستحلون دماء الغير من خلال الفتاوى ومواجهة فوضى الفتاوى المغلوطة باسم الدين، ومواجهة الفكر المتطرف الذى يتعسف فى تفسير النصوص الدينية، والالتحام بالجماهير، وقطع الطريق على أدعياء الدين! وربما من ينشئ أكشاكًا للفتوى ينشئ هيئة للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وبالتالى يزيد التطرف والتشدد والغلو.
على أى حال فإن أكشاك الفتوى هى طريقة تقليدية عفا عليها الزمن من أجل الوصول إلى الناس، وعلى المؤسسة الدينية اتباع أساليب أكثر حداثة للوصول إلى عموم الناس ناهيك عن كون نصف الشعب من الأميين والربع من أنصاف المتعلمين والمثقفين فى ظل وجود النسبة الأكبر من المواطنين تحت خط الفقر، الأمر الذى يسهل التأثير عليهم فضلًا عن توجيههم بفتاوى مضللة.
فكثير من التنظيمات الإرهابية، لم تعد تعتمد فى الغالب على علاقات الوجه بالوجه لنشر أفكارها، بل على المراسلات الإلكترونية فى الغالب والوسائل الأحدث تطورًا، كوسائل التواصل الاجتماعى وتويتر وماسنجر. والأزهر الشريف أهم وأكبر مؤسسة دينية فى العالم، ولكنها تحتاج فى الحقيقة إلى إعادة فلترة وتطوير وتحديث فى الأفكار وطريقة وأسلوب العمل داخلها، وتقديم الخدمة والرسالة إلى الناس فى جميع بلدان العالم فضلًا عن أن محاربة التطرف والأفكار المضللة، لن تأتى بمثل هذه الأكشاك التى تمثل إهانة للفتوى الدينية المقدسة وللمؤسسة الدينية الأزهرية، ولكن تأتى بحسن استغلال الوسائل الحديثة الأسرع وصولًا إلى الناس وليس عبر محطات المترو وضيق الوقت، وربما هناك اتفاق غير معلن بين المؤسسة الدينية والمترو على تأجير هذه المحلات لمواجهة الأزمة المالية التى تواجه مترو الأنفاق، والتى لم يفلح قرار زيادة سعر تذكرة المترو فى حلها لا سيما أن ٩٠ ٪ من عائدات المترو تذهب للرواتب ومكافآت الموظفين.
على أي حال لا بد من زيادة جرعة الثقافة والوعى والتفكير العلمى فى مناهج التعليم بمصر ووسائل إعلامها الفوضوية، ووضع ضوابط صارمة على ما يذاع وما ينشر فى الإعلام من فتاوى دينية صادرة من غير مؤهلين للفتوى الدينية، ولا بد من احترام مؤسساتنا الدينية وعدم توريطها فى أعمال تدنى من منزلتها لدى الناس كما هو حادث فى مثل هذه الأكشاك.