وقعت الدوحة وواشنطن الأسبوع الماضى، مذكرة تفاهم للتعاون فى مكافحة تمويل الإرهاب خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون لقطر، وأعلن وزير الخارجية القطرى محمد بن عبدالرحمن آل ثانى فى مؤتمر صحفى مع نظيره الأمريكى الثلاثاء ١١ يوليو الحالى التوقيع على «مذكرة تفاهم بين البلدين لمكافحة تمويل الإرهاب» بين الدولتين.
بدوره أكد تيلرسون توقيع المذكرة، موضحًا أنها تستند إلى مخرجات القمة الإسلامية الأمريكية فى الرياض، التى دعا فيها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى تعزيز الجهود لمكافحة الإرهاب.
وقال «نتيجة لدعوة الرئيس، فإن الالتزام باتخاذ خطوات سيبدأ فورًا وعلى العديد من الجبهات». وأوضح بيان صادر عن فريقه أن المذكرة تحدد «الجهود المستقبلية التى يمكن لقطر أن تقوم بها لتعزيز حربها على الإرهاب ومعالجة مسائل تمويل الإرهاب بطريقة عملية».
وكانت مصر والسعودية والإمارات والبحرين، قطعت فى الخامس من مايو الماضى علاقاتها بقطر، وفرضت عليها عقوبات اقتصادية على خلفية اتهامها بدعم الإرهاب، آخذة عليها أيضًا التقارب مع إيران.
وأصدرت دول المقاطعة بيانًا مشتركًا الثلاثاء ١١ يوليو، ردًا على توقيع مذكرة تفاهم بين الدوحة وواشنطن بشأن مكافحة تمويل الإرهاب أكدت فيه أنها ستراقب عن كثب مدى جدية السلطات القطرية فى مكافحتها لكل أشكال تمويل الإرهاب ودعمه واحتضانه، مؤكدة أيضًا أن الإجراءات التى اتخذتها كانت لاستمرار وتنوع نشاطات السلطات القطرية فى دعم الإرهاب وتمويله واحتضان المتطرفين، ونشرها خطاب الكراهية والتطرف وتدخلها فى الشئون الداخلية للدول الأخرى، وهى نشاطات يجب أن تتوقف بشكل كامل ونهائى تنفيذًا للمطالب العادلة المشروعة لأن السلطات القطرية لا عهد لها فى الالتزام بالاتفاقات، وآخرها اتفاق الرياض (٢٠١٣) والاتفاق التكميلى (٢٠١٤).
ورغم هذه الاتفاقات، فقد استمرت قطر فى التدخل والتحريض والتآمر واحتضان الإرهابيين وتمويل العمليات الإرهابية، ونشرها لخطاب الكراهية والتطرف، مما لا يمكن معه الوثوق فى أى التزام يصدر عنها تبعًا لسياستها القائمة دون وضع ضوابط مراقبة صارمة، تتحقق من جديتها فى العودة إلى المسار الطبيعى والصحيح.
وأكدت الدول الأربع استمرار إجراءاتها الحالية إلى أن تلتزم السلطات القطرية بتنفيذ المطالب العادلة كاملة التى تضمن التصدى للإرهاب وتحقيق الاستقرار والأمن فى المنطقة.
والمفارقة الكبرى الظاهرة لكل ذى عينيْن، أو لنقل النكتة الأمريكية «البايخة»، هى تلك العبارة الواردة فى بيان فريق وزير الخارجية الأمريكى تيلرسون من أن مذكرة التفاهم الأمريكية تحدد «الجهود المستقبلية التى يمكن لقطر أن تقوم بها لتعزيز حربها على الإرهاب ومعالجة مسائل تمويل الإرهاب بطريقة عملية».
وكأن قطر كانت تحارب الإرهاب، ومذكرة التفاهم تحدد مزيدًا من الجهود المستقبلية التى ستقوم بها قطر لتعزيز حربها على الإرهاب ووقف مصادر تمويله.
ألا تعى الولايات المتحدة ووزير خارجيتها تيلرسون أن قطر وتركيا وإسرائيل كانت فى سلة واحدة تحت مظلة إدارة باراك أوباما لدعم التيارات الإسلامية المتطرفة فى المنطقة، وعلى رأسها جماعة الإخوان وتنظيم داعش وفصائل الإسلام السياسى المسلحة فى سوريا والعراق وليبيا.
ألم تكن قطر مسئولة عن تمويل هذه الفصائل وإمدادها بالسلاح والعتاد، ألم تكن تركيا توفر التدريب على أعلى مستوى للشباب الذين تم تجنيدهم من مختلف دول العالم فى معسكرات بأنطاكيا، وبعد انتهاء فترة تدريبهم يتم الدفع بهم إلى مناطق القتال فى سوريا والعراق، ألم تقم إسرائيل بالمساهمة فى التخطيط للحروب العرقية والمذهبية والطائفية فى المنطقة لتكفل لنفسها التفوق الاستراتيجى بعد تدمير دولتيْ العراق وسوريا؟، ألم تفتح إسرائيل مستشفياتها لمقاتلى جبهة النُصرة لعلاج المصابين منهم والزج بهم مرةً أُخرى إلى مواقع القتال ليخوضوا حربهم المقدسة لحماية أمن دولة إسرائيل التى لم تُطلق عليها رصاصة واحدة أو يسقط منها قتيلٌ واحد فى أعقاب ما سُمى بثورات الربيع العربي؟، فالكلُ يدمرُ نفسه بنفسه فى سيمفونيةٍ نشاز ضمن حروب الجيل الرابع.. حروبٌ بلا هدف أو عائد أو رابح أو خاسر.. الكلُ خاسر عدا الكيان الصهيونى الذى وظف هو والولايات المتحدة كل معطيات المشهد لصالحه لتكسب إسرائيل من هذه الحروب التى ندمر فيها أنفسنا ما لم تكسبه من الحروب التى خاضتها بنفسها.
لقد هالنى ما شاهدته على قناة «بى بى سي» العربية منذ أيام عندما رأيت أستاذًا للعلوم السياسية بجامعة قطر، وهو يتشدق بأن قطر لا تدعم الإرهاب ويتهم الدول المقاطعة بهذه التهمة، هل وصل التبجح لهذا الحد؟، هل اختفت حُمرة الخجل فى الدفاع عن إمارة الدم والقتل والدمار والإرهاب، ألا تستحى أيها الأكاديمى القطرى الذى لو دققنا فى عباءته القطرية البيضاء لوجدناها ملطخة بدماء العرب بكل مكان من سوريا إلى العراق إلى مصر إلى ليبيا، ولو فتشنا جيوبه لوجدنا إيصالات تمويل الجماعات والفصائل الإرهابية على امتداد خارطة الوطن العربى الكبير، ولو دققنا البحث والتنقيب فى جيوب عباءته السرية لوجدنا المخططات القطرية لقلب نظام الحُكم فى دولٍ عربية أخرى، وربما لو وضعنا أيدينا فى جيوب عباءته الكبيرة لأخرجنا منها قيادات الإرهاب الذين ينتمون لجماعة الإخوان أو الجماعة الإسلامية.. ولكن ماذا نقول لهذا الأكاديمى الذى يفتقر للرؤية والبصر والبصيرة؟.. إذا لم تستحِ فافعل ما شئت.. ولن تفلح هذه الأكاذيب فى إقالة دويلة قطر من أزمتها الراهنة، وخاصة بعد الرد القوى من الدول المقاطعة على استمرار موقفها إلى أن تمتثل قطر لشروطها.
إن الإعلام القطرى والإعلام المدعوم من قطر والإعلام الغربى الذى تمتلك قطر حصص أسهم حاكمة فيه، يعمل كأبواق للإرهاب والإرهابيين، يكفى الإشارة إلى قناة «الجزيرة» التى كانت تعلم مسبقًا بموعد ومكان العمليات الإرهابية فى سيناء ضد تمركزات القوات المسلحة المصرية، وتذهب بكاميراتها ومصوريها لتغطية هذه العمليات على الهواء مباشرة، ويهلل ويكبر طاقم القناة عند إطلاق القذائف على أبنائنا من قوات الجيش والشرطة، هذا علاوة على قنوات التحريض على الإرهاب والعنف التى تبث من تركيا ولندن.
إن ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية مع قطر بتوقيع مذكرة التفاهم المزعومة لا يعدو مجرد نكتة أمريكية «سمجة» لا تُضحك أحدًا لا فى مصر ولا السعودية ولا الإمارات ولا البحرين.. إننا جميعًا لن نتسامح مع كل من ساعد أو مول أو حرض أو آوى مَن قتل أبناءنا وأهدر دماءهم الزكية دون ذنبٍ اقترفوه سوى الدفاع عن وطنهم، ولا كل من استحضر الأعداء من إيران وتركيا ليقفوا فى وجه إخوانه العرب مقابل مليارات النفط التى يوزعها تميم من أموال الشعب القطرى المغلوب على أمره.
إن الأرضَ العربية سوف تلفظ الدولَ الراعية للإرهاب. إن قطر خانت العروبة والإسلام عندما امتدت يدها بخناجر مسمومة إلى العرب فى كل مكان، وسوف ترتدُ هذه الخناجرُ إلى نحرِ مَن أرادَ العربَ والمصريين بسوء.. يسقط القتلة والإرهابيون.. وتحيا العروبة والإسلام.. تحيا مصر.