من يقرأ أزمتنا مع قطر قراءة موضوعية وواقعية، سينتهى حتمًا وبسهولة إلى أن الأوراق التى لدى دول المقاطعة الأربع، وبالذات المملكة، هى الأقوى بكل تأكيد مما تملكه قطر من أوراق؛ فدول المقاطعة ليس لديها ما تخسره على الإطلاق، فى حين أن قطر فقدت أول ما فقدت منفذها البرى الوحيد مع العالم من خلال حدودها مع المملكة، وبذلك ستخسر بلا شك اقتصاديًا، لارتفاع تكلفة البضائع على مختلف أنواعها، التى تستوردها من المملكة، أو التي تأتي إليها بريًا من خلالها؛ أضف إلى ذلك اضطرار طيرانها الوطني سلوك مسارات جوية مكلفة اقتصاديًا، وأيضًا تزيد من مسافات الرحلات المتجهة إلى أوروبا أو إلى الدول الإفريقية، كما أنها ستفقد ركاب الترانزيت الذين كانوا يتجهون إلى شتى أنحاء العالم من خلال مطار الدوحة؛ فضلًا عن عزلة أهل قطر عن محيطهم الجغرافى القريب، لا سيما أن كل القبائل التى تقطن قطر هى امتدادات لمكونات قبلية جذورها الأصلية فى شرق ووسط المملكة، وبالتالى وجود أواصر قرابة بينهم، وفى المقابل ليس ثمة أسباب تجعل مرور الزمن عنصر ضغط على دول المقاطعة، لذلك؛ فإن مرور الوقت، وبقاء الأزمة معلقة دونما حل، لن يضير دول المقاطعة، بينما سيشكل ثقلًا حقيقيًا يتزايد ويتضخم مع مرور الأيام على المواطن القطرى.
ولا أعتقد أن دول المقاطعة الأربع حينما اتخذوا مثل هذه الإجراءات الصارمة والحازمة، يمكن أن يتراجعوا عنها، بأى حال من الأحوال، فهم لم يتخذوها بهذا الشكل القوي، إلا بعد أن طفح بهم الكيل، وأصبح السكوت والصبر عن عبثيات النظام القطرى يعنى تفريطًا بأمن واستقرار أوطانهم.
ويُخطئ القطريون إذا راهنوا على أن حلف الدول الأربع سيتصدع مع مرور الوقت، فهم جميعًا متضررون، ومستهدفون بأذى هذا النظام المقامر والمندفع، كما أنهم -أيضًا- يدركون تمام الإدراك، أن تملص قطر من هذه المقاطعة دون أن ترعوى وتثوب إلى رشدها، يعنى أنها قطعًا ستتمادى فى التدخل فى شئونهم وتنتهك أمنهم واستقرارهم أكثر وأكثر.
كل هذه المبررات العقلانية تقول إن الحلف الرباعى قوى ومتماسك وليس لديهم ما يخسرونه جراء المقاطعة، لا سيما وقطر تعتمد فى قوتها على قناة «الجزيرة»، ثم لا شىء على الإطلاق.
وإذا كان القطريون يظنون أن تأثير قناة «الجزيرة» هو التأثير نفسه فى بدايات ما يُسمى «الربيع العربى»؛ فهم مخطئون، حيث كانت «الجزيرة» هى فقط الوحيدة فى الساحة الإخبارية الفضائية، دون منافسة، أما الآن فقد أصبحت الساحة الإعلامية الإخبارية تعج بالفضائيات وتتجاذبها قنوات كثيرة، تضاهى، وربما تتفوق، على قناة «الجزيرة»، جذبًا للمشاهد العربى.
إضافة إلى سيطرة الدول الأربع سيطرة شبه كاملة على مجريات (السوشيال ميديا)، الذى اقتطع جزءًا كبيرًا ومؤثرًا من الجذب الإعلامى الإخبارى، الأمر الذى يجعل الكفة إعلاميًا، تميل فى مصلحة الحلف الرباعى بكل وضوح.
أعرف أن القطريين لم يكونوا يعتقدون أن الدول الأربع ستضعهم، وعلى حين غرة فى هذا المأزق الذى يضيق عليهم مع مرور كل يوم جديد، لكن من يراقب الأزمة بحياد كامل سيصل إلى حقيقة أن تراكماتها قد تتحول فى نهاية الأمر إلى طوفان سيجرف قطر ولن تستطيع إنقاذ نفسها منه، خاصة إذا بدأت هجرة الأموال الخاصة من قطر إلى الخارج، ودخلت قطر فى كساد مدمر، ستكون انعكاساته كارثية بكل تأكيد.
نقلا عن «العربية نت»