الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ثورة شعب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كنت واحدا من الذين ينتظرون بفارغ الصبر يوم الثلاثين من يونية، ومن أجله اجتمعنا يوم التاسع والعشرين من يونية فى جمعية «مؤلفى الدراما العربية»، برئاسة الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن، وقررنا أن نشارك فى ذلك الحدث التاريخى، وأن ننضم إلى المسيرة التى ستخرج من وزارة الثقافة وتتجه إلى ميدان التحرير، والتى تضم جموع المثقفين الذين اعتصموا داخل ديوان الوزارة ومنعوا علاء عبدالعزيز من دخول مكتبه بعد قراراته التعسفية التى طالت رموز الثقافة فى مصر، وظهر منها أنه قد أتى بأجندة إخوانية الهوى، ومع بزوغ شمس يوم الثلاثين، والذى لم أنم ليله قلقًا وخوفًا، جلست أتابع القنوات التليفزيونية المختلفة فازداد خوفى وقلقي، فالناس لم تتحرك بعد، والأمور تسير على طبيعتها، ولكن ماذا عن ملايين الاستثمارات التى حررها هذا الشعب العظيم لحركة «تمرد»، وماذا عن كل التقارير التى تؤكد أن الشعب سيتحرك فى هذا اليوم المشهود، ولم يدم الحال طويلًا، فعقب صلاة الظهر بدأت الجموع تخرج من كل فجع عميق، وبدأت المسيرات تجوب شوارع القاهرة والجيزة ومختلف المحافظات، كانت الأعداد قليلة لكنها تزداد مع الوقت، اصطحبت نجلى مروان وقررنا النزول للحاق بمسيرة الفنانين والمثقفين، وكنت أظن أن الأمر سهل، وأن نصف ساعة كافية للتحرك بالسيارة من الجيزة إلى الزمالك، ولكنى فوجئت بأن الشوارع مغلقة تماما بأمواج من البشر، عندئذ قررت أن اتجه إلى التحرير مباشرة ولكن الحشود المتدفقة أجبرتنى على ترك السيارة فى شارع مراد والترجل مع الملايين نحو الميدان، كانوا جميعًا يحملون علم مصر، وكانت أصوات الهتافات تهز البنايات من قوتها: «يسقط يسقط حكم المرشد» «ارحل» «اصحى يا مرسى صحى النوم.. (٣٠) ستة آخر يوم».. «الجيش والشعب إيد واحدة «وأيضا» دم ولادنا للحرية.. مش لعصابة إخوانجية» و«ثورة ثورة فى كل مكان.. ضد المرشد والإخوان» و«ثورة ثورة فى كل حتة.. ثورة ثورة ٣٠ ستة»، وعندما وصلت المسيرة إلى ميدان الجلاء وكان ذلك فى حوالى الثالثة ظهرًا تيقنت تماما استحالة دخولها إلى ميدان التحرير، فثمة ملايين يحتشدون داخل التحرير، ووقفنا عند كوبرى الجلاء؛ حيث لا موقع لقدم، فكل الشوارع الرئيسية والجانبية ممتلئة بالبشر، وهنا أدركت أن المصريين جميعهم قد تحركوا، وأن حزب «الكنبة» قد تعلم درسا، فقد آثر الجلوس على الكنبة أبان ٢٥ يناير؛ فحدث ما حدث، ولكنه الآن يصحح المسار، التقيت قدرًا مع الإعلامى خالد فتوح؛ فقلت له: هى ثورة.. فقال: نعم ثورة حقيقية، شاهدنا معًا عبر مواقع التواصل الاجتماعى فيديوهات من مختلف المحافظات؛ فصحت مرددًا: الشعب المصرى كله تقريبًا فى الشارع، وكان السؤال: ماذا بعد؟ هل ستعود هذه الملايين إلى بيوتها فى المساء دون أن ينصت لها أحد، هل سيتجاهل الجيش المصرى مطالب الشعب وهو من أعلنها فى أكثر من مناسبة بأن الجيش يلبى نداء الشعب متى أمر، ها هو الشعب ينادى الجيش، فهل سيستجيب؟ وما رد فعل مرسى وجماعته بعدما شاهدوا كل هذه الحشود وهى تهتف بسقوط حكمهم؟.. كنا نترقب ما سيحدث خلال الساعات المقبلة، وبعيدًا عن مشاهداتى فى هذا اليوم الفاصل من تاريخ مصر وعودة إلى رصدنا لما حدث من خلال معلومات توفرت لنا، فقد شاهد مرسى عبر شاشات التليفزيون جموع الشعب وهى تهتف ضده، وكان ذلك فى مقر إقامته بدار الحرس الجمهورى؛ فغضب وأغلق التلفاز مرددًا: دى فيديوهات من ٢٥ يناير وبيذيعوها دلوقتى... دى مؤامرة عشان العالم يفكر أن فيه ثورة جديدة فى مصر، على الجانب الآخر فقد أمر الفريق أول عبدالفتاح السيسى القائد العام وزير الدفاع، أن يتم تصوير المظاهرات بواسطة طائرات هيلكوبتر، وتقديم الشرائط للرئيس كى يعلم أن كل التقارير التى وضعت أمامه من قبل حقيقية، وأن تقدير الموقف لهذا اليوم كان سليما، وعليه أن يتخذ قرارات فورية تسعد هذه الملايين، وهى القرارات التى كان السيسى قد عرضها على الرئيس فى السادس والعشرين من يونيه قبل خطابه الهزلى، وأبدى موافقته عليها ثم قال عكسها، ولكن وبمجرد أن قُدمت الشرائط للرئيس أخذ يصيح «فوتوشوب»، أما المرشد العام للإخوان؛ فقد أجرى مكالمة مع محمود عزت قال فيها بالحرف: شوية وهايرجعوا البيوت ويا دار ما دخلك شر، همّا دول ما يقدروش يصمدوا ولا يقعدوا (١٨) يوما فى الميدان، دا احنا اللى خلناهم يقعدوا، هما ناسيين ولا أيه»، وجاء المساء ليحدد موقع «جوجل» عدد من نزلوا إلى الشارع بـ ٣٣ مليون متظاهر، وهو الرقم نفسه الذى أذيع فى قناة cnn، وطلب الفريق أول عبدالفتاح السيسى من اللواء رأفت شحاتة مدير المخابرات، أن يذهب للقاء الرئيس وأن يحدثه صراحة بأن الجيش يعد بيانًا ينذر فيه الجميع مهلة ثمانية وأربعين ساعة لرسم خارطة طريق تخرج بها مصر من أزمتها الحالية، وعلى الرئيس أن يسبق ذلك بخطوة إيجابية، وقام اللواء شحاتة بعرض كل التقارير والصور على مرسى فكان رد فعله: «طيب هانشوف»، فطلب منه أن يخرج للناس ببيان فورى يؤكد فيه احترامه لإرادة الشعب وإقالة الوزارة والنائب العام، وتشكيل لجنة لتعديل الدستور وتحديد موعد للاستفتاء على انتخابات رئاسية مبكرة، فرد مرسى: «هاشوف برضه»، وخرج الرجل من عند مرسى ولديه قناعة كاملة بأن شيئًا لن يتغير، فأبلغ ذلك الفريق أول عبدالفتاح السيسى، والذى كان بمقر وزارة الدفاع والتى أحاطتها الملايين من كل اتجاه، وراحت تهتف بدوى يهز الجدران «انزل يا سيسى.. مرسى مش رئيسى»، فما كان أمامه عندئذ إلا التصديق على البيان لإذاعته.. وللحديث بقية.