الإدانة مؤكدة لهجوم البدرشين الذى راح ضحيته ضابط وأمين شرطة وثلاثة جنود، الإدانة والاستنكار والأسف والحزن وكل ما يمكن قوله عن هذا الهجوم الذى رتب له خفافيش الظلام وتم تنفيذه فى وضح النهار ليعلن المجرمون من جديد عن إصرارهم على مواصلة الحرب ضد المجتمع المصرى بكل مكوناته، شهداء الشرطة هم عناوين للمجتمع، والرصاصة التى سكنت جسد الشهيد كان من السهل أن تسكن جسدي، لذلك أقول إن طابور الشهداء المتتالى الذى نراه بوضوح فى سيناء وفى شوارع الدلتا، قد اختار بوعى التضحية نيابة عن الشعب المصري، كما اختار بوطنية نادرة مواصلة الحرب ضد البلطجة والفوضى والإرهاب والتخلف من أجل إعلاء كلمة القانون التى تحمى أكثر من٩٠ مليون مواطن وتحمى حدود مصر الأربعة.
عندما تطالعنا وسائل الأنباء عن أخبار مثل ذلك الخبر الذى حدث على مطب صناعى فى البدرشين أو خبر مثل ذلك الذى حدث فى الغردقة عندما استل إرهابى سكينًا وارتكب جريمة بشعة ضد ضيوفنا السياح وهم آمنون على شاطئ البحر، نعرف كمية العنف المخزون داخل هؤلاء الذين تشوهت أرواحهم وتعطلت عقولهم، ليعيثوا فى الأرض فسادًا.
لم تتوقف تلك الأخبار منذ بدأ الخلط بين الدين والسياسة، ومنذ اعتقاد الفرد – أى فرد – امتلاكه الحقيقة الكاملة، ولن تتوقف تلك الأخبار بمجرد إعلان الدولة عن حربها ضد التكفيريين، فالمسألة أعم وأشمل وأعمق من تلك الثنائية، سيادة القانون والمساواة والعدالة والارتقاء بالذوق العام طريق واحد للخلاص، احترام الاختلاف وتأكيد المواطنة وتقدير المُجتهد ثوابت لمنهج الحياة التى نريدها، كل هذا لن يكون بقرار سياسى يصدره رئيس الجمهورية مثلًا، ولكنه يكون من خلال وعى جديد، مُغاير للسائد الذى ضرب بجذوره منذ أكثر من أربعين عامًا.
بدأت الازدواجية المقيتة والمدمرة عندما قال السادات عن نفسه إنه الرئيس المؤمن وعندما ارتضينا العبث فى مناهج التعليم وابتعدنا عن معامل العلوم لنسكن فى الزوايا المقامة فى الحوارى والنجوع وتفيض جهلًا، عندما قال بعض العائدين من الخليج فى السبعينيات إن الموسيقى حرام وإن التليفزيون بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار، كان هذا يحدث تحت وبصر الجميع وتم مواجهته بالصمت العاجز، لذلك رأينا بائع سمك يقتل الدكتور فرج فودة، ورأينا جاهلا يطعن نجيب محفوظ بالمطواة، وأخيرًا رأينا أزهريا فى الغردقة يطيح بسكين فى رقاب السائحات.
المجد للشهداء هذا أمر مؤكد وسيكون المجد الأكبر لمن سيتخذ زمام المبادرة ويقرر مواجهة فكر الإرهاب ويفند أكاذيبه وينشر نور المدنية فى ربوع الوطن، المجد الأكبر لن يؤكد أن لقمة فى بطن جائع أهم وأكثر تأثيرًا من بناء جامع.
إذن ترجع الأمور إلى سيرتها الأولى، سيرة العدالة والقضاء على البطالة ومواجهة الفساد والتنوير، ترجع إلى الشفافية والمشاركة الشعبية والتصنيع، ترجع إلى سرير لكل مريض ومقعد مريح فى المواصلات العامة، أعرف أن تلك الحزمة ثقيلة ومتعبة وصعبة، ولكن لا مناص أمامنا إلا مواصلة الحرب على كل الجبهات، على جبهة الوعى تمامًا كما هى الحرب على جبهة جبل الحلال فى سيناء.
إن ضرب كل الحواضن المؤدية للإرهاب لا يقل فى أهميته عن التدريب الشاق الذى يؤديه رجالنا بالقوات المسلحة والشرطة لدحر الإرهاب والقضاء عليه، لذلك لا يمكن نرجع بأسباب حادث البدرشين إلى مطب صناعى جعل الكمين المتحرك يهدئ من سرعته فانقض عليه الإرهابيون، فالمطب الصناعى موجود فى عقولنا وفى مدارسنا وفى إعلامنا الرسمى بل وفى دور عبادتنا.
رحم الله شهداء مصر تلك العناوين البارزة لخريطة جديدة تتشكل فى بلادنا، خريطة مصر المدنية ودولة سيادة القانون.