ناقشتُ الأربعاء الماضى بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة المنيا رسالة ماجستير مهمة لباحثة مجتهدة هى هاجر حاتم محمد بعنوان «أُطر المعالجة الإخبارية فى الصحافة لأحداث ٢٥ يناير و٣٠ يونيو: دراسة تحليلية مقارنة بين الصحافة المصرية والصحافة الكويتية»، الرسالة أعدت بإشراف الزميلة العزيزة أ. د. عزة عبدالعزيز عثمان رئيس قسم الإعلام بكلية الآداب جامعة سوهاج وتلميذتى العزيزة د. سلوى أبوالعلا الشريف الأستاذ المساعد بقسم الإعلام بآداب المنيا، وقد تركزت الدراسة على عدد من أحداث ثورتيْ ٢٥ يناير و٣٠ يونيو فى صحف «الأهرام والوفد والشروق المصرية وصحيفة الرأى الكويتية»، وقد توصلت الدراسة إلى عدد من النتائج المهمة التى يطيب لنا عرض بعضها فى هذا المقال.
أظهرت النتائج الأطر الأكثر سيطرةً على معالجة الصحف محل الدراسة هى الأطر السياسية، فلقد بلغت نسبتها فى الأهرام ٣٦٪ من إجمالى الأطر التى استخدمتها، وأتت أُطر الصراع فى المرتبة الثانية، وهو ما يتفق مع طبيعة الأحداث التى كان بها شد وجذب فى كثير من الأوقات، وصراعات سياسية، وعدم استقرار فى الأوضاع الأمنية، فكان لا بد من تناول الأحداث ومعالجتها من خلال أُطر الصراع، ولقد بلغت نسبة أطر الصراع فى صحيفة الأهرام ٢٧.٤٪، وفى صحيفتي الوفد والشروق ٢٩٪، أما الرأى الكويتية فبلغت نسبة تمثيلها فى قائمة الأطر الخاصة بالصراع ٣٠.٢٪.
واتفقت الصحف مرة أخرى على الأُطر التى احتلت المرتبة الثالثة فى قائمة الأطر الخاصة بكل منها، وهى الأطر القانونية، والتى فرضتها طبيعة الأحداث التى جاءت بها تعديلات دستورية، والانتخابات الرئاسية، والخلاف على الجهة التى تُؤدى أمامها اليمين الرئاسية، وإطلاق إعلان دستوري، فحلت ثالثة فى الأهرام بنسبة ٩.٣٪، وفى الوفد بنسبة ١١.٦٪، وفى الشروق بنسبة ١٠.٩٪، وفى الرأى بنسبة ٧.٦٪، وأظهرت نتائج التحليل أن الصحف اختلفت فيما بعد على ترتيب بقية الأطر فى القائمة الخاصة بكل صحيفة، وهذا طبيعى ويرجع لاختلاف توجهات واهتمامات كل صحيفة على حدة.
ففى الأهرام مثلًا جاءت أُطر الاهتمامات الإنسانية فى المرتبة الرابعة بنسبة ٨.٨٪، وفى المرتبة الخامسة جاءت الأُطر الاقتصادية بنسبة ٦.٧٪، وحلت سادسةً الأُطر الدينية بنسبة ٥.٣٪، وفى المرتبة السابعة كانت أُطر المسئولية بنسبة ٤.٦٪، وأخيرًا جاءت أُطر حقوق الإنسان بنسبة ١.٩٪، فى حين أن الوفد جاءت فيها أُطر المسئولية فى المرتبة الرابعة بنسبة بلغت ٩.٦٪، وفى المرتبة الخامسة كانت أُطر الاهتمامات الإنسانية بنسبة ٨.٦٪، فيما احتلت الأطر الاقتصادية وأُطر حقوق الإنسان المرتبة نفسها وهى السادسة بنسبة ٤٪، وأخيرًا كانت الأُطر الدينية بنسبة ٢٪.
أظهرت نتائج الدراسة أن الجريدة الأكثر استخدامًا لأُطر الصراع كانت جريدة الشروق بواقع عدد تكرارات بلغ ١٣٥ تكرارًا، تليها الوفد بعدد تكرارات بلغ ١٣٢ تكرارًا، ثم تليها الرأى بعدد تكرارات بلغ ١٣١ تكرارًا، ثم الأهرام بعدد التكرارات الأقل والذى بلغ ١١٨ تكرارًا، وهكذا اتفقت الصحف المصرية والكويتية على الإطار الذى احتل المرتبة الأولى فى قائمة أطر الصراع الخاصة بكل جريدة منها، ألا وهو إطار المظاهرات والاعتصامات والإضرابات، ففى الأهرام بلغت نسبته ٣٠.٥٪، وفى الوفد ٢٦.٥٪، وفى الشروق ٢٥.٢٪، وفى الرأى ٢٨.٢٪، وهو أمر يعكس بالفعل حقيقة الأحداث التى تخللتها الكثير من المظاهرات، والوقفات الاحتجاجية، والإضرابات.
اتضح من خلال نتائج الدراسة أن جريدة الوفد كانت الجريدة الأكثر استخدامًا لأطر الاهتمامات الإنسانية بواقع ٣٩ تكرارًا، تأتى بعدها الأهرام بعدد ٣٨ تكرارًا، ثم الشروق بعدد تكرارات بلغ ٣٠ تكرارًا، وأخيرًا الرأى بعدد ٢٨ تكرارًا، ولا يوجد تفاوت كبير بين الجرائد الأربع فى استخدام الأطر الإنسانية، وهذا الأمر قد فرضته طبيعة الأحداث التى تعلقت بكثير من الجوانب الإنسانية والحياتية التى تهم المجتمع، مثل الانقسامات التى حدثت فى صفوف الشعب، والأحداث الدموية التى شهدتها مصر، والانفصال الصارخ الذى حدث بين الشعب ومؤسسات الدولة، مما كان لزامًا على الصحافة بصفة عامة والصحف محل الدراسة بصفة خاصة أن تتناول معالجة الأحداث من هذا الجانب، ولقد كان الإطار الأكثر استخدامًا من قبل الصحف الأربع، هو إطار توحيد الصف ونبذ الفُرقة، فالأهرام استخدمته بنسبة ٤٢.١٪ من إجمالى أطر الاهتمامات الإنسانية الخاصة بها، والوفد تناولت الأحداث من خلاله بنسبة ٣٨.٤٪، أما الشروق فبلغت نسبته فى قائمة أُطر الاهتمامات الإنسانية الخاصة بها ٤٣.٣٪، وفى الرأى بلغت نسبته ٣٩.٣٪ من إجمالى نسب أُطر الاهتمامات الإنسانية الخاصة بها.
من واقع نتائج الدراسة نجد أن الأهرام هى الصحيفة الأكثر اهتمامًا بالجانب الدينى، بواقع تكرارات للأُطر الدينية بلغ ٢٣ تكرارًا، وهذا يرجع لكون الأهرام جريدة حكومية تهتم بعرض الأحداث من الجانب الدينى والأخذ بتصريحات رجال الدين، فى محاولة منها للتأثير على اتجاهات الجمهور نحو الأحداث، خاصة أن الشعب المصرى يهتم برأى الدين وتوجيهاته التى يحصل عليها من خلال الأزهر والكنيسة ورجالاتهم، ولقد حلت صحيفتا الشروق المصرية والرأى الكويتية فى المرتبة الثانية، بعدد تكرارات بلغ ١٩ تكرارًا، وفى المرتبة الأخيرة جاءت الوفد بعدد ٩ تكرارات.
أظهرت نتائج الدراسة التحليلية أنه على الرغم من أن المعالجة الإخبارية لصحيفة الرأى الكويتية كانت بصفة عامة محايدة إلا أنها أظهرت بعض المواقف تجاه بعض الأحداث، فمثلًا قامت الصحيفة لأكثر من مرة باستعراض رأى الرئيس الأسبق مبارك تجاه الأحداث، واهتمت بمعرفة موقفه، كما أنها فى العدد الخاص بفوز الرئيس الأسبق محمد مرسى برئاسة الجمهورية، أظهرت فيه عدم رضاها عن النتيجة من خلال عناوينها التى تمثلت فى «إخوان مصر فى الحكم»، «مرسى الاحتياطى الذى أصبح الرئيس الخامس»، وفى العدد الخاص بإصدار الإعلان الدستورى قامت بعمل لقاء مع «عفت السادات» حول الأحداث فى مصر، وجاءت فى هذا الحوار عبارات تدين حُكم الإخوان مثل «الإخوان يرون أن ديمقراطيتهم هى ديمقراطية المرة الأولى والأخيرة»، وفى عدد آخر للحدث نفسه عبرت الصحيفة عن تأييدها لخروج مظاهرات ضد الإعلان الدستورى. فجاء فى عنوانها «مصر احتشدت فى ميدان التحرير.. والهتافات طالبت مرسى بالرحيل وشبهته بمبارك»، وكأن الصحيفة تريد إيصال رسالة من خلال كلمة «مصر» والتى جاءت للتعبير عن الشعب كله وفى الأعداد الخاصة بانطلاق ثورة ٣٠ يونيو تصدر أحد أعداد صحيفة الرأى عنوان «مصر.. الجديدة»، وفى عدد آخر جاءت افتتاحية العدد تتحدث عن الأخطاء التى سقط فيها الإخوان خلال فترة حكمهم.
وهكذا نجحت الصحافة المصرية والكويتية فى المعالجة الصحفية لثورتيْ ٢٥ يناير و٣٠ يونيو اللتيْن قام بهما الشعب المصرى العظيم بشكل يتلاءم مع حجم هاتيْن الثورتيْن اللتيْن غيرتا وجه المنطقة العربية وإقليم الشرق الأوسط، ولولا قيام الشعب المصرى باسترداد ثورته من بين براثن جماعة الإخوان، لكان الإخوان الآن قد سيطروا على كل مفاصل الدولة المصرية وهددوا استقرار الدول الصديقة والشقيقة لمصر، ولعل ذلك هو ما يفسر التأييد الكويتى على المستوى الرسمى والشعبى والإعلامى لثورة ٣٠ يونيو المجيدة.