لاشك أن الشبكات الاجتماعية ولاسيما الفيس بوك قد لعبت دورا كبيرا في الحشد والدعوة ليوم الغضب في 25 يناير 2011 ,والذي سرعان ما تحول إلى ثورة عارمة بفضل هذه الشبكات أيضا التي تم الدعوة من خلالها إلى يوم الغضب في 28 يناير 2011 , ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الورقة البحثية هو : هل قامت الشبكات الاجتماعية بالدور نفسه في ثورة 30 يونيو 2013 , أم تعاظم دورها في ثورة 30 يونيو 2013 مدفوعا بزيادة عدد مستخدمي الإنترنت في مصر من 21 مليون مستخدم في يناير 2011 إلى حوالي 33 مليون مستخدم في يونيو 2013 , وزيادة عدد مستخدمي الفيس بوك لـ 5,5 مليون مستخدم في يناير , أم هل تقلص دور الشبكات الاجتماعية في 30 يونيو مقارنة بثورة 25 يناير ؟ .
فقبيل ثورة 25 يناير 2011, انتشرت دعوة بين الشباب على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» إلى مظاهرة كبرى أمام مقر وزارة الداخلية، تحت شعار «فعلتها تونس»، وبدأت الدعوة على صفحة «خالد سعيد»، وجذبت أكثر من ٥٤ ألف مشترك في بضعة أيام. وفي المقابل، ظهرت صفحات أخرى مضادة من شباب الحزب الوطني، تدعو إلى عدم الاستجابة لدعوة التظاهر، وأطلق بعض المعارضين دعوات مضادة تحت شعار «لا لثورة ٢٥ يناير.. لا لتخريب مصر»، واعتبروا أن مصر مرشحة لأن تشهد فوضى وتخريبا مثلما يحدث في تونس على حد قولهم. ووجهت حركة شباب ٦ أبريل، الدعوة إلى الشباب من مختلف التيارات السياسية وجميع أطياف الشعب المصري للتعبير عن رفضهم ما أسموه ببعض الممارسات التي تنتهجها وزارة الداخلية في تعاملها مع المواطنين، حسب بيان الدعوة.
وفي حين انتشرت صور العلم التونسي على «فيس بوك» قال أحد الشباب عبر صفحة «٢٥ يناير يوم الثورة على التعذيب والفقر والفساد والبطالة»، التي اجتذبت أكثر من ٤ آلاف عضو ، إن اختيار يوم ٢٥ يناير لم يأت من فراغ، بل لكونه يوافق عيد الشرطة. وكان موقعا «فيس بوك» و«تويتر» قد لعبا دورا كبيرا في إشعال ثورة تونس ضد نظام زين العابدين بن علي، إذ نسب بعض المراقبين الفضل في نجاح الثورة لهذين الموقعين بجانب الشاب محمد البوعزيزي الذي أطلق الشرارة الأولى للثورة بعد أن أحرق نفسه، احتجاجا على أوضاعه الاجتماعية.
واستشهد أعضاء المجموعات الداعية لـ «الثورة» بمقالات وتحليلات دولية تشير إلى أن هناك دولا مرشحة لأن يتكرر فيها السيناريو التونسي ومن بينها مصر، لكن أعضاء «الجروب» لم يحددوا توقيتا أو مكانا للتظاهرة، رغم أن البعض دعا لأن تكون أمام القصر الجمهوري.وأجرى عدد كبير من الشباب تغييرا في صورهم الشخصية على «البروفايل» الخاص إلى صور تحمل العلم المصري، متضمنا الرقم «٢٥»، إشارة إلى اليوم المحدد للحدث، فيما آثر عدد كبير أن يتركوا أعلام تونس، لكنهم أضافوا إليها العلم المصري، مكتوبا عليه الرقم «٢٥».
ولا شك أن يوم 25 يناير لم يغير فقط وجه مصر أو نظرة العالم إلي الشباب المصري لكنه أيضاً غير نظرة عامة في الإنترنت عامة والمواقع الاجتماعية كـ "الفيس بوك" وتويتر "خاصة ، فقد كانت هذه المواقع بمثابة الخلية التي تجمع فيها آلاف المنادين بالإصلاح والتغيير والموت دون هذه المطالب , حيث بدأت الثورة المصرية بشرارة أطلقها موقع "الفيس بوك " ، ولعبت شبكة الإنترنت دورا كبيرا في تأجيج هذه الثورة والتحضير لها ربما منذ عامين حين تأسست حركة 6 أبريل التي دعت إلى إضراب عام يوم 6 أبريل احتجاجا على تدهور الأوضاع في مصر , ثم تلتها حركات كثيرة لعل أكثرها شهرة كانت حركة "كلنا خالد سعيد" ، وتفجرت الثورة المصرية التي وصفت بأنها الأولى من نوعها في تاريخ الشعب المصري , ذلك لأن الموعد الذي تحدد لبدء الشرارة الأولى كان عيد الشرطة في 25 يناير الماضي، كان نقطة البدء لمظاهرة شبابية جعلت العالم كله يرصدها عن قرب، ويعيد حساباته.
إن إحصاءات رسمية أشارت إلى أن 23 مليون مصري، يدخلون بشكل منتظم أو شبه منتظم على شبكة الإنترنت، مما يعني أن ربع سكان مصر يتواصلون افتراضيا بشكل دائم ويتبادلون المعلومات والتعليقات. لكن كيف تمكن هؤلاء الشباب من التشبيك بعباراتهم القصيرة المختزلة، ولغتهم التي غالبا ما تبقى في إطار العامية؟.
وقد كان للثورة التونسية فضل كبير في إشعال حماس الشباب المصري فقد رأوا في النموذج التونسي حلما وأملا فتواصلوا مع التونسيين الذين سبقوهم إلى التظاهر، وكان بعضهم يهنئهم بعبارت من قبيل " أنتم السابقون ونحن اللاحقون " وكذلك غيرهم من العرب الذين يقاسمونه المعاناة. وبمجرد أن عرف الشباب التونسي بما يحضر له المصريون انهالوا عليهم بسيل من خبراتهم .
وكان بمقدورك أن تقرأ آخر عبارات كتبوها، ونداءات حضروها لمظاهراتهم: "مش مهم مين الريس، المهم نعيش كويس"، و"هو المجلس مجلس مين مجلس نهب المصريين"، و"قول للأمن يقتل فينا لا حا يخرسنا ولا ينفينا". ويعلق أحدهم على "الفيس بوك": "إذا أردنا نجاح هذه الثورة فعلينا بقطع رأس الأفعى، لا بد من التوجه في ثورة بالملايين ومحاصرة مبنى وزارة الداخلية وكل الإدارات التابعة لها حتى يتم شل عمل الوزارة، بعد ذلك علينا بمناداة الجيش للتدخل لحماية الشعب. فثورة تونس لم يعلن انتصارها وهرب الرئيس إلا بعد محاصرة الوزارة". خطة مكملة مقترحة من شابة مصرية: «يوم الجمعة نستمر في المظاهرات حتى يستجيبوا للمطالب.. حل مجلسي الشعب والشورى، وإلغاء قانون الطوارئ، والإفراج عن المعتقلين. فإذا لم تستجب الحكومة فسنستمر حتى الجمعة التالية ولكن عندها لن نرضى إلا بإسقاط النظام تماما.. وعلينا أن نجهز قائمة بأعضاء الحكومة المؤقتة التي نطالب بها حتى لا نقع في مأزق تونس".
قد لا تكون مصادفة أن نرى أن ما حدث على الأرض بعد ذلك مشابه لما خطط له على الشبكة العنكبوتية. فالشباب أنفسهم الذين كانوا ينشطون افتراضيا ذهبوا ليتظاهروا. انقطاع خدمة الإنترنت لا بد أربكهم، وأخذ من يتمكن من التسلل إلى الشبكة يحاول أن يعطي نصائحه بطريقة اختراقها طالبا من الآخرين أن يحذو حذوه. لكن الانقطاع كان بالفعل كبيرا، وتم رصد انخفاض في دخول الشبكة من قبل المصريين وصل إلى 97 في المائة. وفي اليوم الخامس عادت الخدمة، ورجع الشباب لتسجيل رسائلهم، ما بين الفرح والترقب لما قد تسفر عنه الأيام القادمة ظاهرة تحضير الثورات الشبابية على الإنترنت، أثارت فضول الصحف الغربية التي استنطقت محلليها الاجتماعيين والنفسيين كما المؤرخين لفهم ما يدور في العالم العربي.
وهكذا , فإن الفيس بوك استطاع أن يجمع شباب مصر جميعا بمختلف انتماءاتهم وأفكارهم وتوجهاتهم في ثورة يناير ليخرجوا في ذلك اليوم ويعبروا عن مطالبهم بضرورة إحداث التغيير وبالفعل نجحت ثورتهم وحققوا مطالبهم المشروعة، ولكن مع تصاعد الأحداث وإصرار البعض على عدم مغادرة ميدان التحرير إلا بتحقيق مطالبهم كاملة.. ظهرت الكثير من المجموعات والحركات الشبابية على الفيس بوك لتنادي بالإصلاح وإنقاذ مصر والعودة لإعمار ما افسده البعض.
وفي الحقيقة , فان هذه الدعوات لم تكن سوى من قبل بعض الشباب الذين جندتهم وزارة الاتصالات باعتراف الفريق أحمد شفيق في حديثه إلى إحدى القنوات الفضائية الخاصة المصرية , حين ذكر أنه مع عودة الإنترنت سيقوم بعض الشباب بإشراف وزير الاتصالات طارق كامل بإقناع زملائهم بفض اعتصامهم بميدان التحرير:
فتحت شعار "شباب إنقاذ مصر", أطلق مجموعة من الشباب دعوة للمتظاهرين بضرورة فض المظاهرات ووجهوا لهم هذا النداء: يا شباب مصر لقد قمنا بالثورة ولكننا نواجه خطر سرقة الحلم يجب أن نرفض هذه المحاولة السافرة المغرضة لسرقة حلمنا.. حلم الشباب المصري.. يجب أن نواصل الجهود للمحافظة عليه ليس من مصلحة حلمنا ولا من المصلحة العامة أن نطالب الرئيس بالرحيل دعونا نعطيه فرصة .
وفي الوقت الذي اختلف فيه قادة ورؤساء بعض الدول العربية ونسوا فيه معنى القومية العربية اجتمع شباب الفيس بوك العرب على ضرورة وحدة الشعوب والوقوف ضد أنظمة الفساد ومحاربتها بل وقام العديد من شباب هذه الدول بتأسيس صفحات على الفيس بوك لتأييد ثورة شباب مصر وتونس والدعوة إلى تعميم هذه المظاهرات في جميع الدول العربية التي تستبد من قبل حكامها، ففي تونس قام أصحاب ثورة "الياسمين" بتأسيس صفحة باسم "تونسيون مساندون لحركة يناير الاحتجاجية المصرية" انضم لها مايقرب من سبعة آلاف شخص حتى الآن، وقد تم تأسيسها ليلة الخامس والشرين من يناير لدعم الثورة المصرية والتي وجهوا لها رسالة قصيرة فقالوا" الخامس والعشرون من يناير يوم مهم في تاريخ الشعب المصري العريق الذي مازال يعاني من الاضطهاد والفساد.. نشد على أياد أخوتنا أصدقائنا".
وعلى عكس كل المتوقع، وعلى الرغم من تخيل البعض من انقطاع العلاقة بين الشقيقتين مصر والجزائر, إلا أنه وبمجرد اندلاع ألسنة الثورة المصرية حتى سارع شباب الجزائر بمساندتها حتى ولو من خلال الشبكات الاجتماعية، فصمموا عدة صفحات تعني دعمهم للحركة المصرية الرافضة للنظام، وكان منهم صفحة "شباب الجزائر المتضامن مع ثورة مصر الشعبية" والتي عملت تحت شعار " في قلوبنا الطيبة.. اتحادنا قوة نحن أخوة ".
الكثير من الدعوات بالنصر والنجاح للمصريين في ثورتهم وجهها لهم شباب المغرب حيث أسسوا هم أيضا صفحة بعنوان "شباب المغرب يدعم ثورة مصر"، معتبرين أن " الشباب العربي يد واحدة ضد الفساد العربي" , كما استعارت الصفحة الكثير من الإفيهات المصرية الطابع والتي كتبت حول موقف النظام مما يحدث في الشارع، بالإضافة لنشرها الكثير من الصور الملتقطة من قبل الشارع المصري.