■ تشتد حاجة أجيالنا الجديدة (وخصوصا من ننعتهم «نشطاء سياسيين») ضمن ما تحتاج إلى قراءة نقدية لتاريخنا الحديث، فبدونها ستتكرر الأخطاء نفسها والخطايا، وستظل حركتنا دائرية تعود بنا بعد الجهد إلى النقطة نفسها، كما ستتحول حياتنا من مجرد «مأساة صغرى» إلى «ملهاة كبرى»، تعاود ارتكاب الأخطاء نفسها!!
■ ومن الطبيعى أن يتجاوز حبنا لبلدنا ومصالحنا الوطنية عشقنا لأى زعيم أيا كان اسمه، فغير مفهوم أن نحب محمد على أو نعشق عبدالناصر مثلا أكثر من حبنا لبلدنا وحبنا لمصالحنا، إضافة إلى أن التشنج حالة نقد الراحلين مراهقة، بل قل طفولة فكرية يجب تجاوزها.
■ تنحية الشخصى مهم للغاية والتركيز على الموضوعى وتفنيده ووضع القرارات فى ميزان المصالح الوطنية بغض النظر عن شخص من أصدرها.
■ حيث تكمن أهمية القراءة النقدية المتجردة من الهوى ومن الإيديولوجيا ومن عبادة الزعماء فى أنها تقى الأمم مخاطر معاودة السقوط فى الحفر نفسها وارتكاب الأخطاء نفسها.
■ وقبل أن نبدأ علينا أن ندرك أن شعوبا لديها قدرة على النقد والمراجعة، وشعوبا تعرف قيمة النقد لحياتها وتؤمن أن النقد أهم أداة بناء، هى شعوب تستحق الوجود والعكس صحيح.
■ فمحمد على باشا مثلا ظن أن ذهابه لليونان وإخماد ثورتها خدمة للسلطان العثمانى يماثل ذهابه إلى الحجاز لإخماد ثورة الوهابيين؛ فقرر فى العام ١٨٢٧ إعداد حملة واقتحام اليونان دون أن يدرك أن أوروبا لن تسكت على دخوله؛ فضربته بريطانيا وفرنسا وروسيا، ودفعنا ثمنا باهظا لعدم حسابه المخاطر، ودُمر الأسطول المصرى وأُغرق البحارة المصريون.
■ وتوالت الأخطاء التى ترتبت على ذلك القرار؛ حيث رفض محمد على تعويض السلطان له بـ«جزيرة كريت»؛ فطالب بالشام كله، فرفض السلطان، فقرر محمد على احتلال الشام عام ١٨٣١ ودخول الأناضول، فتكتلت الدول الأوروبية ضده وفرضت عليه صلح «كوتاهيه» وأخرجته من الأناضول وخدعته بتسوية مؤقتة، وأعطته الشام ثم ضربته فى العام ١٨٣٩ ونزعت الشام وغيرها منه تماما فى معاهدة لندن ١٨٤٠ وقلصت جيشه وأسطوله من ٢٧٦ ألف جندى إلى ١٨ ألفًا.
■ مات محمد على وحكم مصر حفيده ابن طوسون «عباس حلمى الأول»، الذى أضاع كل ما صنعه جده فى غضون ٥ سنوات.
■ محمد على حافظ على الملكية الزراعية للدولة، لكن جاء بعد الحفيد المريض نفسيا، سعيد أصغر أبناء محمد على، وسمح للمصريين بتملك الأرض ١٨٥٤ (اللائحة السعيدية)، وبدأت حكاية ضياع الأرض الزراعية وتوزيعها على الفلاحين إبان قرار الرئيس نجيب بذلك، ثم توسع الرئيس عبدالناصر فى ذلك دون أى شروط على الفلاحين، فزرعها أبناؤهم بيوتا وأبراجا وقاعات للأفراح، وضاعت الأرض الزراعية، بينما السويد إلى اليوم تمنع تملك متر أرض واحد لأى سويدى، وترفع شعار (الخريطة مش للبيع)، كما كان من أخطاء سعيد باشا قراره بترقية الجنود المصريين إلى ضباط، والتوسع الشديد فى منحهم الرتب دون أدنى علم أو دراسة حتى وصل عرابى وزيرا للحربية وهو لم يدرس شيئا يذكر!!!
■ وجاء الخديو إسماعيل حفيد محمد على وابن إبراهيم وأغرق مصر فى الديون وأدمن الاقتراض، لدرجة أنه اقترض ما يزيد على ١٤ ضعف الموازنة العامة وقتها.
■ وعزل الخديو إسماعيل وتولى ابنه توفيق؛ فقرر تخفيض الإنفاق لسداد الديون، فتخلص من الضباط المصريين الذين صنعهم سعيد باشا، فحدثت ثورة العرابيين التى كانت سببا فى احتلال بريطانيا وكيل الدائنين لمصر فى العام ١٨٨٢، وتسريح ما تبقى من الجيش المصرى.
■ وعقدنا بعد طول كفاح ونضال معاهدة الصداقة عام ٣٦، ولكن جاء قرار النحاس باشا بإلغائها فى ٨ أكتوبر ١٩٥١ بالخراب على مصر، ودفع النحاس ودفعت مصر ثمنا باهظا لهذه الشعبوية، وأحرقت القاهرة وأزيح النحاس من الحكم ولم ترحل القاعدة البريطانية إلا بشرط بريطانيا فصل السودان عن مصر عام ٥٣، وفى الميعاد الذى تقرر فى المعاهدة عام ٥٦.
■ ونأتى لـ«خطايا» الرئيس جمال عبدالناصر، وقرارين خطيرين ضيعا مصر ودفعنا ولا زلنا وسنظل ندفع ثمنهما الأول، كان عام ٥٦ الذى ادعى فيه «تأميم» القناة، والثانى فى ٢٢ مايو ٦٧، الذى قرر فيه إغلاق مضيق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية فضُرب الجيش والطيران واحتلت سيناء، وفقدت مصر إدارتها لقطاع غزة، وفقدت الأردن إدارتها للضفة الغربية، واحتلتها إسرائيل أيضا كما احتلت الجولان السورى، وكل ذلك فى غضون ستة أيام فقط!!
■ حيث كانت نتائج خطايا ناصر كالتالى:
- أولا: عدم تأميم القناة وشرائها من خلال دفع تعويضات مالية هائلة للمساهمين الإنجليز ونسبتهم ٤٤٪ وغيرهم والدخول فى مفاوضات روما مع المساهمين من غير الإنجليز لتقسيط تعويضاتهم على ٦ سنوات وبالأسعار التى حددوها.
- ثانيا: إغلاق القناة نهائيا أمام الملاحة العالمية ١٠ سنوات لم يدخل فيها مليم واحد إلى الخزانة المصرية.
- ثالثا: العدوان الثلاثى واحتلال مصر وإزهاق آلاف الأرواح وتشريد الآلاف.
- رابعا: تدمير وتخريب مدن القناة الثلاثة.
- خامسا: تكاليف إعادة إعمار مدن القناة الثلاثة.
- سادسا: قرار مجلس الأمن بوضع قوات دولية بيننا وبين إسرائيل (وعلى حساب مصر)
- سابعا: مجلس الأمن يقرر إعطاء إسرائيل حق الملاحة والعبور من القناة ومن مضايق تيران المصرية، مقابل انسحابها من سيناء.
- ثامنا: قرار الرئيس ناصر بغلق المضيق فى وجه إسرائيل فجأة، والذى تسبب فى حرب ٦٧ وما نتج عنها.
- تاسعا: حرب الاستنزاف عامان متواصلان ٦٩/٦٨.
- عاشرا: إعادة بناء الجيش وتكاليف مالية ضخمة.
- حادى عشر: حرب ٧٣ لاسترداد الأرض وتحريرها.
- ثانى عشر: اتفاقية كامب ديفيد ٧٨ ومعاهدة السلام ٧٩، وما ترتب عليها من انتقاص للسيادة المصرية على أراضيها.
■ ومن القرارات الخطأ تحالف الرئيس السادات مع الإخوان، والسماح لهم بافتراس الجامعات وتجنيد وضم الشباب وإعادة بناء الجماعة من جديد.
■ قرار الرئيس السادات بعمل حزب سياسى، وهو على قمة السلطة أفسد الحياة السياسة على مدار ٣٥ سنة.
■ تعجل مبارك وقرار انضمامنا إلى منظمة التجارة العالمية دون دراسة؛ فضاعت الصناعة المصرية؛ حيث كنا من أوائل الدول التى انضمت إلى المنظمة فى العام ٩٥، عام إنشائها، بينما لم تنضم السعودية مثلا إلا فى العام ٢٠٠٥، لتكون العضو رقم ١٤٩، بينما لم تنضم روسيا إلا فى العام ٢٠١٢، وبعد ١٨ عاما من المفاوضات لتكون العضو رقم ١٥٣.
■ توسع مبارك فى الموافقة على إنشاء المعاهد الدينية حتى بلغت ١٠ آلاف بدلا من ٨٠٠ دون أى رقابة من الدولة على ما يدرس فيها من مقررات وعلى ما يغرس فيها من قيم.
■ تأجيل مبارك قرار تحرير سعر الصرف طوال ٣٠ عاما، رغم أنه تولى الحكم والدولار يساوى جنيه مصرى واحد، وفشله فى تدوير الدعم وتوصيله إلى المستحقين والتوسع فى الاقتراض، وإهماله فى محاربة الفساد.
■ قرار عبدالناصر بحل الأحزاب السياسية عام ٥٣، ومعاداته للحركة الوطنية المصرية ومن بعده السادات ومبارك، ونزعهم لكل ما هو سياسى، تسبب فى فراغ سياسى ضخم استغله تنظيم الإخوان الإرهابى وحكم مصر.. عفوًا «خطف مصر».