فى سياق الجدال المندلع بالداخل الإيرانى بين جماعة المرشد خامنئى والرئيس روحاني، قال الجنرال سليماني، قائد فيلق القدس، إنه لولا الحرس الثورى ما بقيت إيران، وإنه فى مجريات الصراع على العراق وسوريا فإنّ إيران تضاعفت قوتها عشر مرات، ومشكلة روحانى مع الحرس الثورى ليست فى مدى قوة إيران العسكرية، بل فى أن الحرس استولى على الكثير من المرافق الاقتصادية بالداخل، وعلى الكثير من ملفات الكسب والتجارة، لكى يموِّل بها عملياته الخارجية، والتى لا يخضع الإنفاق عليها لرقابة الحكومة، بل لقيادة المرشد واعتباراته، فالملف الاقتصادى ضاغطٌ جدًا على روحاني، باعتباره مسئولًا عنه، وخصومه المحافظون يقولون إنّ وعوده الاقتصادية لم تتحقق لجهتين: لجهة انتظاراته من الاتفاق النووى مع الولايات المتحدة والدول الكبرى ولجهة مكافحة الفساد. وروحانى يدافع عن سياساته بأنّ ما لم يتحقق من الوعود علَّتُه استيلاء الحرس وجهات أُخرى تابعة للمرشد على مرافق تستنزف الكثير من جهود التنمية والتطوير.
هذا التنافر بالداخل الإيراني، والذى يتسبب بجدالات بين المرشد والرئيس فى الأسابيع الأخيرة، لا يظهر مثله بالداخل التركى بين السياسيين والعسكريين. وفقط فى وسائل الإعلام التى خضع أكثرها هناك لتذمرات من الفشل فى الملف الكردي، وفى الأزمة السورية، وأخيرًا فى التدخل بين دول مجلس التعاون الخليجى لصالح قطر.
يعتقد المسئولون العسكريون والأمنيون بإيران أنه آن أوانُ قطف ثمار التدخلات بسوريا والعراق بعد جهود هائلة لأكثر من خمس سنوات. لقد خدمتهم الولايات المتحدة بالتدخل ضد «داعش» فى العراق، وخدمتهم روسيا بالتدخل ضد معارضى الأسد فى سوريا. وهناك تنافُسٌ الآن على مَن يكون المستفيد الأكبر من زوال «داعش»، وَمَنْ يخلُفُها على الأرض. فى المناطق العربية السنية بالعراق، تتقدم إيران، وتسير الميليشيات التى يقودها سليمانى باتجاه الحدود العراقية السورية الأردنية، بل وتحاول الاقتراب من الحدود السورية الإسرائيلية. وستعود التجاذُباتُ قريبًا على منطقة تلعفر بين إيران (ومعها الحكومة العراقية) وتركيا، التى لها قواتٌ بشرق الموصل، وعلى مقربة من تلعفر لجهة الحدود التركية مع المنطقة. والطريف أن الجدال اندلع علنًا على المياه والسدود الإيرانية والتركية على فروع الفرات ودجلة. الأكراد الموالون لإيران فى السليمانية ودهوك، شكوا من السدود الإيرانية التى قطعت المياه عنهم أخيرًا، بحيث ما عادوا يستطيعون تزويد المناطق العراقية الأخرى بالمياه للزراعة والري. أما خامنئى فشكا علنًا من السدود التركية التى قللت كثيرًا من كميات المياه الواصلة إلى المنطقة الكردية، والمناطق العربية والإيرانية.
والصراع هائل بين الإيرانيين والأتراك على البترول والمياه والحدود فى الشمال السوري، ويشارك فى ذلك بالطبع النظام السورى والروسي. إيران مرتاحة أكثر بالطبع، لأنه ما كان لميليشياتها وجود فى شرق حلب وهى تتقدم الآن فى تلك النواحي. وتأتى ميليشياتها وضباط حرسها الثورى مع قوات النظام من البادية باتجاه دير الزور. ويكون على تركيا الآن، مع الميليشيات السورية التابعة لها أن تصارع على عدة جبهات: الجبهة الرئيسية مع الأكراد على مقربة من حدودها، وقد تقدمت واستولت على مدينة الباب، لكن أمريكا منعتها من الاستيلاء على منبج بغرب الفرات، وعهدت للأكراد بتحرير الرقة. ومشكلة تركيا الثانية مع الأكراد هى حول جيب بلدة عفرين الذى يسيطرون عليه، ويريدون استحداث كوريدور يصل بين عفرين ومناطقهم الأُخرى. وهذا الكوريدور الشاسع تقع على امتداده بلدات تسيطر عليها المعارضات المسلحة أكبرها مارع، ويحميه الجيش التركي. والأكراد المطمئنون للولايات المتحدة، يتهمون الآن الروس بأنهم هم الذين يسمحون للأتراك بحصار عفرين، وربما الاستيلاء عليها، بخلاف إرادة الأمريكيين، فيما يزعمون.
لقد لعب الإيرانيون فى العامين الماضيين مع أكراد العراق (طالباني) وسوريا (قوات الحماية، وحزب العمال)، وضد تركيا، لكنّ الشكوك بهم تصاعدت بعد إعلان الأكراد العراقيين جميعًا (البارزانى والطالبانى وقوى التغيير) عن استفتاءٍ على الاستقلال. وصرحت تركيا علنًا ضد الاستفتاء، وستنزعج جدًا من حدوث أمرٍ مُشابهٍ من جانب الأكراد السوريين. لذا فهناك نوع من التقارب أخيرًا بين الطرفين فى هذا الملف بالذات.
إن الاستقلال الكردى فى العراق يهدد إيران وتركيا بالفعل، لوجود ملايين الأكراد على حدود الدولتين مع كردستان الساعية للاستقلال.
لا يملك الأتراك حرية حركة لا فى سوريا ولا فى العراق. وحرية الإيرانيين فى الحركة بالبلدين أكبر بكثير، بيد أنّ المصائر النهائية لحكومات البلدين ووحدة أراضيهما أو تقسيمها متعلقةٌ بكلٍّ من الولايات المتحدة (فى العراق وسوريا)، وبروسيا (فى سوريا). وحتى الآن فإنّ الداخلين الإيرانى والتركى لا يؤثران كثيرًا على حكومتيهما لجهة التدخل والقتال باعتبار أنها مسألة أمن قومى واستراتيجي.
نقلًا عن الاتحاد «الإماراتية»