رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وطن يستحق منا العناء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«يا قبورا تنادى أسامينا.. ويا موتا يعرف كيف يصطفينا.. سطوة الموت لن تغير لقبنا.. فنحن أحياء للشهادة سائلينا.. «ميت» لقب من هو دوننا والشهيد اسم من بالروح يفدينا.. مهنتى الشرف والمجد أجنيه.. وحب القلب للقلب يرضينا.. قد قضيت فى الأمن عدد سنين.. وكم قضينا عن الأرض مدافعينا.. وكم قضيت هروبا من الموت.. وكم قضينا عن الموت باحثينا.. نبحث عن الموت أينما وجد.. وفى الجنة مع إخوة سابقينا.. من كان بلا عقيدة فليغادر.. حق عليك واسأل المقاتلينا.. الله أكبر للقلب طربا.. وذكر الله خير الحافظينا».. هذه الكلمات المعبرة كانت أحد الأشعار التى كتبها الشهيد البطل عقيد أ.ح. أحمد المنسى، قائد الكتيبة ١٠٣ صاعقة، والذى كتب أشعارا أخرى عن مصر يقشعر لها الوجدان، تحكى أوجاع قلب يعلم مصيره فلا يخشاه، يتمنى الاستشهاد بطيب نفس، بعد أن قرر أن يهب نفسه فداء للوطن الذى عشق ترابه وتاريخه وحاضره.. بطل من رجال الصاعقة المصرية الذين لا يعوضون، والذين يتعرضون لأشد التدريبات وأقساها، حتى تتغير طبائعهم الإنسانية ويتحملوا ما لا يتحمله بشر، فيقضون أياما طويلة فى قلب الصحراء دون أدنى متطلبات الحياة الآدمية، يأكلون ويشربون ما تعف النفس عنه، فيكون تدريبا لنفوسهم حتى تنسى ما عرفته من رفاهية، يتربون على الإيمان والصبر، وعقيدة الدفاع عن الأرض والعرض حتى آخر قطرة دم من دمائهم الزكية.. مئات يتساقطون من رجال القوات المسلحة والشرطة، ويتركون أسرهم للحزن وآلام الفراق، يودعونهم بصبر وإيمان، ويد الله فوق أيديهم وعلى قلوبهم تضمد جراحهم وتحيطهم رحمته.. قد يكون حظ الشهيد البطل. أحمد المنسى أفضل من غيره، فقد حفرت صورته فى أذهاننا جميعا تناقلناها وبكيناه وأهله، وذرفنا الدموع على ابنه ذى التسع سنوات، والذى ارتدى «أفرول» الصاعقة المصرية ووقف أمام النعش الذى يحمل جثمان أبيه الطاهر رافعا علامة النصر بكلتا يديه والدموع تملأ عينيه البريئتين، وربما وجد أهله السلوان فى الاهتمام الإعلامى، وفى مشاعر الكافة التى أحاطتهم.. ولكن هناك مئات الشهداء الذين سقطوا من ضباطنا وجنودنا ولم تكلف وسائل الإعلام أنفسها حتى بنشر أسمائهم!!.. ونرى فى الوقت نفسه المتنطعون على مواقع التواصل الاجتماعى يسفسطون ويُنَظّرون عن القوات المسلحة والشرطة!!.. ورجالنا الأبطال لا يملكون رفاهية الرد؛ لأنهم منشغلون بعملهم القاسى، يذهب كل منهم إلى عمله وهو يحمل روحه بين يديه، يودع أهله كل مرة وهو لا يعلم إن كان القدر سيمهله حتى يراهم مرة أخرى.. يحملون كل يوم نعوش زملائهم ويودعونهم بدموعهم وهم لا يعلمون من منهم سيكون القادم!!. يضمون أبناء الشهداء ويبكون ألمهم، وهم يرون فيهم مصائر أبنائهم.. شهداء اليوم حملوا شهداء الأمس، وهم أنفسهم شهداء الغد.. شهداء يحملون شهداء!!.. ولا يزيدهم ذلك إلا إيمانا وجلدا ورغبة فى التضحية!!.. أما نحن فلا نملك سوى الدموع التى نذرفها ونحن نرى خيرة الشباب يودعوننا كل يوم، ثم ننسى سريعا ونبدأ فى الاعتراض والتذمر من الأحوال الاقتصادية والغلاء وضيق الأحوال!!.. إن النفس لتخجل أن تشكو وتمتعض ونحن نرى صلابة وقوة وإيمان الشهداء الذين يستقبلون الموت ببسالة دون أن يخشوه ويقدمون حياتهم فداء لمصر بلا شكوى أو امتعاض؟!.. ولكن هل نشعر جميعا بحالة الحرب التى تعيشها مصر؟!.. وهل ندرك أن كل لحظة نعيشها آمنين هناك من يدفعون الثمن بأجسادهم وأرواحهم؟!.. وهل يقع اللوم على من لا يدرك ذلك؟!.. أم أن المسئولية تقع على الدولة التى يجب أن تعلنها صريحة، وتبدأ بنفسها أولا!!.. حالة الحرب لا يقام فيها مآدب الطعام لصفوة القوم على نفقة مؤسسات الدولة.. ولا يتم فيها تغيير سيارات المسئولين كل عام.. ولا يتقاضى فيها البعض مئات الآلاف بل والملايين من أموال الدولة، ما بين مكافآت أو نسب من أى أرباح من المفترض أن يكون مكانها خزانة الدولة!!.. علينا أن نتحمل بصبر ونربط الأحزمة، ولكن على جميع مؤسسات الدولة أيضا أن تتوقف عن مظاهر البذخ والاستفزاز!!.. كذلك نحتاج إلى إعلام حرب لا يقوده مجالس متناحرة!!.. يقدم المعلومات ويشرح المؤامرات ويبسطها حتى نحصد الوعى.. بدلا من عشرات البرامج التى لا تهتم سوى بالطهى!!.. ووصفات ما لذ وطاب من المأكولات، ونحن نعانى ضيق الحال ونطالب الشعب بالتقشف!!.. أو برامج التغييب والتى تشعرنا بأننا أصبحنا فى مجتمع بلا مشاكل!!.. مجتمع ينفق الملايين من أجل بضع دقائق من الهلس وتفريغ العقول!!.. فلا تلوموا الناس على الشكوى وتتهموهم بالخيانة.. فالدولة هى من تصنع الوعى!!.. نحتاج الأمل والإيجابية ولكن مع فهم أين نقف؟ وأين موقعنا مما يحدث؟ فهى حرب وجود مع القوى الكبرى، والهدف واحد وإن اختلفت الأدوات والأساليب.. فقد كتب علينا القتال.. ولا نملك سوى الصبر والعمل.. ونرفع أكفنا ونتضرع إلى الله أن يحمى هذا الشباب الطاهر الذى اختار بقناعة ورضا أن يفتدى تراب الوطن بدمائه النقية، وعسى أن يهبنا الله بعضا من إيمانهم وصبرهم وعقيدتهم فى حب الوطن، حتى يقوم كل منا بدوره فلا نكون قد خذلناهم.. ولنستمع لوصية بطلنا الشهيد «أحمد المنسي» فى إحدى قصائده: «وقبيل أن أرحل أوصيكم ونفسي.. بوطن يستحق منا العناء.. تحية على من وهب الروح والجسد.. وسلام على من انتقى الكفن كرداء».