فى الأيام الأخيرة لحكم مرسى استمر التوتر السياسى فى التصاعد بعد أحداث الاتحادية وغيرها من الأحداث التى شهدت استقطابًا سياسيًا كبيرًا حتى وصل ذروته فى يوم ٣٠ يونيو ٢٠١٣، عندما خرجت مظاهرات عارمة فى محافظات مصر كافة، دعت إليها حركة (تمرد) التى قامت بجمع توقيعات شخصية تطالب بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وفى اليوم التالى أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية بيانًا أذاعته وسائل الإعلام، تمهل فيه جميع الأطراف ٤٨ ساعة كفرصة أخيرة لتحمل أعباء الظرف التاريخى الذى يمر به الوطن، وفى ٢ يوليو ألقى مرسى خطابه الأخير الذى لم يستجب فيه لمطالب المتظاهرين أو بيان القوات المسلحة وأصر على التمسك بشرعية حكمه، وتحدث عن مؤامرات تحاك ضده وضد الديمقراطية، وفى ٣ يوليو ألقى الفريق عبدالفتاح السياسى وزير الدفاع (آنذاك)، خطابًا على الهواء محاطًا بقيادات الجيش وأمين عام حزب «النور» ومحمد البرادعى رئيس حزب «الدستور» وشيخ الأزهر وبابا الكنيسة القبطية وممثلين عن حركة تمرد من الشباب، أعلن فيه عن خارطة طريق جديدة تبدأ بتعطيل الدستور وتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا رئاسة الجمهورية بشكل مؤقت لحين انتخاب رئيس جديد.
وثمة خصائص لاحتجاجات ٣٠ يونيو تتمثل فى حجمها، حيث خرج المصريون بالملايين إلى الشوارع، فضلًا عن انتشارها، خاصة أنها وصلت إلى المحافظات المصرية، وبالتالى فقدت القاهرة وميدان التحرير مركزيتيهما رغم قوة الحشد فيهما، هذا الانتشار الأفقى شمل محافظات ومدن الدلتا والصعيد المحسوب دائمًا على القوى الإسلامية، من ناحية أخرى، انتشرت الموجة الثورية لـ٣٠ يونيو رأسيًّا، فهذه المرة كانت عابرة للطبقات والشرائح الاجتماعية، فقد شملت الريف والبرجوازيات الحضريات وأجزاء من أرستقراطيات المدن الكبرى. اللافت أيضًا هو مشاركة فئات من غير المسيسين. إن خروج فئات متنوعة إلى الشارع ومساندة القوات المسلحة لها جاء تدليلًا على تعثر حكم الإخوان، وإثارته السخط لدى قطاعات عريضة. ولا يغيب عن المشهد الحشد المؤيد للسلطة المعتصم منذ أحداث الجمعة ٢٨ يونيو ٢٠١٣ فى ميدانى «رابعة العدوية» فى مدينة نصر، و«النهضة» فى الجيزة، غير أن تركيز الإخوان على مركزية الحشد، فى مقابل انتشار المعارضين أضعف من تكتيكات الإخوان فى إجهاض ٣٠ يونيو. كما أن تعامل الرئيس مرسى الذى استخف بالمعارضين واعتبرهم مجرد ثورة مضادة أسهم فى عدم قدرته على إدارة الأزمة، وبدا ذلك فى خطابات مرسى الذى اكتفى بتوجيه اتهامات، وتفسير التظاهرات على أنها مجرد مؤامرة. فى الوقت نفسه، غلب على خطاب جماعة الإخوان حالة الإنكار وربما الصدمة التى سببتها ضخامة الحشود وراديكالية مطالبها.
وقد أكدت فترة حكم جماعة الإخوان فقر الرؤية العميقة لها للدولة، والتى تعنى مشروعًا متكاملًا للعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، يستلزم إعادة التوازن بين المؤسسات السياسية والسيادية وعلاقتها بالمجتمع والمواطن، بما يجدد كيان الدولة ثم يوجه فلسفتها نحو الوعى بدورها وعمقها الاستراتيجي. وقد كشف عزل الرئيس الإخوانى عن قابلية الجماعة للتحالف مع التيارات الأكثر تشددًا داخل الحالة الإسلامية، بل وربما قابلية داخلية فى التكوين النفسى والتربوى لأفرادها للمواجهة المفتوحة مع الدولة.
فقد كان أنصار الرئيس الأسبق محمد مرسى قد احتشدوا بالفعل فى ميدانى «رابعة العدوية والنهضة» قبل ٣٠ يونيو بأيام، وشكلوا حركة (تجرد) التى قالوا إنها جمعت عددًا أكبر من التوقيعات، وبدأوا يتحدثون عن رفضهم المطلق لعزل الرئيس أو لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، حتى ولو كان الثمن أن تسيل الدماء، أى أن وقوع مصادمات كان أمرًا محتملًا وتحقق بالفعل.
ورغم وقوع مصادمات فى التظاهرات المستمرة التى قام بها أنصار الرئيس الأسبق محمد مرسى وحالات وفاة من مختلف الأطراف مثل أحداث الحرس الجمهورى وأحداث المنصورة والقائد إبراهيم والمنصة وطريق النصر؛ إلا أن فض اعتصام رابعة العدوية يظل هو الحادثة الأكبر من حيث عدد الضحايا، ولم تبذل قيادات جماعة الإخوان الموجودون فى اعتصام «رابعة العدوية» أى مجهود يذكر فى محاولة تقليل أعداد الموجودين من أنصارهم مع بدء عملية الفض، وعقب الفض توالت عمليات العنف، مثل: اشتباكات المهندسين، واقتحام قسم شرطة كرداسة، ووقائع إحراق عشرات الكنائس بصورة جزئية أو كلية فى محافظات عدة.
وقد كشفت أحداث العنف الطويلة التى أعقبت عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى أنه على العكس من المعارك المجربة لهذه الجماعة مع النظم الحاكمة، تلك التى خرجت منها أكثر قوة بفعل تعاطف المجتمع معها واحتضانه لها، تأتى الهزيمة الراهنة أمام المجتمع نفسه الذى أطاح بها وهى على رأس الدولة، وهو ما يتجاوز حدود الأزمة السياسية إلى حد المأزق الوجودى الذى لا بد أن تصير الجماعة بعده غير ما كانت قبله.
ورغم أحداث العنف، وتشكيل تحالف دعم الشرعية، المؤلف من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية وبعض الفئات الرافضة لإجراءات ٣ يوليو، ومحاولات عرقلة خطوات خارطة المستقبل التى تم الاتفاق عليها فى الثالث من يوليو ٢٠١٣؛ إلا أن الدولة المصرية استكملت خارطة المستقبل، حيث تولى المستشار الجليل عدلى منصور، رئيس المحكمة الدستورية العليا، رئاسة الدولة مؤقتًا وقام بتشكيل حكومة، وأصدر إعلانًا دستوريًا ينص على ثلاث خطوات، تتمثل فى صياغة دستور جديد، ثم تجرى انتخابات برلمانية، وتختتم بانتخابات رئاسية، غير أن تطور الأوضاع السياسية على الأرض وتزايد أعمال العنف فرض إعادة النظر فى ترتيب الأولويات بهدف تقديم الانتخابات الرئاسية على البرلمانية، وقد تم تشكيل لجنة الخمسين لتعديل دستور ٢٠١٢ وطرح للاستفتاء فى يومى ١٤ و١٥ يناير ٢٠١٤، وبعد إقرار التعديلات الدستورية بدأت إجراءات الانتخابات الرئاسية.
وفى ٢٦ مارس ٢٠١٤ أعلن المشير عبدالفتاح السياسى وزير الدفاع (آنذاك) استقالته من القوات المسلحة، وتقدم بأوراق ترشحه للرئاسة فى الأول من أبريل من العام نفسه، وفاز بمنصب الرئيس بفارق كبير على منافسه الوحيد حمدين صباحى ليحلف اليمين الدستورية رئيسًا للجمهورية فى السابع من يونيو ٢٠١٤.. وهو اليوم الذى ولدت فيه مصر من جديد.