■ هذه ليست دعوة لليأس والإحباط والتشاؤم، كما يعتقد البعض منذ الوهلة الأولى لقراءة عنوان المقال، ولكنها دعوة للواقعية ومعرفة الواقع على حقيقته بعيدا عن عمليات التهويل التى تقوم بها جماعة الإخوان الإرهابية وحلفاؤها بالداخل والخارج، وأيضا بعض النخب السياسية وأيضا عمليات التهوين التى تقوم بها الحكومة والأذرع الإعلامية والصحفية المساندة لها بحق ومن دون حق.
■ ولو كانت سندريلا الشاشة الفنانة الراحلة سعاد حسنى بيننا اليوم لطلبت بنفسها وقف إذاعة أغنيتها الجميلة «الدنيا ربيع والجو بديع قفلى على كل المواضيع»؛ لأن الناس لن تصدق كلمات الأغنية ولن تتفاعل معها على الإطلاق، أو ربما غيرت الكلمات لتصبح «لا الدنيا ربيع ولا الجو بديع فتحلى كل المواضيع».. بهدف القراءة الحقيقية والواقعية لما يواجه المواطن المصرى حاليا فى معيشته اليومية من مصاعب وتحديات.
■ والحكومة ستكون هى الجهة الوحيدة التى ستطلب إذاعة تلك الأغنية لسندريلا الشاشة فى جميع القنوات الفضائية المساندة لها، بل ربما أصدر المجلس الأعلى للإعلام بيانا يحذر فيه من معاقبة أية وسيلة إعلامية لا تقوم بإذاعتها، وربما يمتد الأمر إلى استبدالها بأغنية «تسلم الأيادى»؛ لأن رئيس الوزراء وجميع الوزراء يؤكدون فى تصريحاتهم أن الدنيا ربيع والجو بديع.
■ وكما كان لأغنية «تسلم الأيادى» مفعول السحر مع انطلاق ونجاح ثورة ٣٠ يونيو، التى أطاحت بجماعة الإخوان الإرهابية، وكان مجرد سماعها يسبب أذى نفسيا وضررا كبيرا لدى أعضاء تلك الجماعة وحلفائها؛ فإن الحكومة من ناحيتها ستسعى إلى استخدام أغنية الدنيا ربيع والجو بديع لزيادة الضرر النفسى للمواطنين، وخاصة الفقراء ومحدودى ومتوسطى الدخل بسبب قراراتها المتتالية برفع الأسعار.
■ وسوف يتسابق مساندو الحكومة من الخبراء والمحللين السياسيين فى شرح، وتوضيح حقيقة الوضع بأن الدنيا ربيع والجو بديع، بل ربما تصدر تعليمات سرية من وزير الصحة لجميع أطباء المستشفيات الحكومية والوحدات الصحية، بأن تكون روشتة العلاج للمرضى الفقراء ومحدودى ومتوسطى الدخل الاستماع للأغنية ٣ مرات يوميا على الأقل قبل الأكل إذا كان فيه أكل أصلًا.
■ فالقراءة الحقيقية للواقع السياسى والاقتصادى والاجتماعى الراهن لحياة غالبية المصريين، يؤكد أن لا الدنيا ربيع ولا الجو بديع رغم أنف الحكومة ومحاولاتها لوصف الحال عكس الواقع، وأن تنفيذها لبرنامج الإصلاح الاقتصادى تسبب فى تعكير الأجواء وزيادة هموم ومشكلات المواطنين وغياب الابتسامة من على الوجوه باستثناء ابتسامات رئيس الوزراء والوزراء.
■ فالحكومة التى تراهن على صبر المواطن وتحمله لهذه القرارات المتتالية دون رحمة أو شفقة بهذا المواطن، لا يمكن أن تكسب هذا الرهان؛ لأن للصبر حدود فى ظل تبذير حكومى وسفريات للوزراء مستمرة خارج مصر، وحفلات ومؤتمرات حكومية ومواكب واحتفالات وحوافز ومكافآت وقرارات مد السن للقيادات وأصحاب الحظوة والنسب، يقابلها توجه حكومى ضد المواطن الفقير ودعوته لترشيد الإنفاق.
■ وأيضا أعداء مصر وخصوم الحكومة الذين يراهنون على نفاد صبر المواطن والقيام بثورة جديدة ودعوات للتخريب، هم أيضا سوف يخسرون هذا الرهان؛ لأن المواطن المصرى الوطنى لا يفعل ذلك ولن يفعل ذلك حفاظا على الوطن والدولة المصرية، ولن يستمع لهذه الدعوات ولن يستجيب لها، وسوف يلجأ إلى وسائل وآليات أخرى لتغيير هذا الواقع.
■ فعلى الحكومة وخاصة رئيس الوزراء، أن يتوقف عن محاولات التهوين من الواقع الاقتصادى الأليم الذى يعيشه المواطن المصرى، وأن يسحب تصريحه الذى أعلنه مؤخرا بأن الوضع الاقتصادى سوف يتحسن بعد عامين؛ لأن فى ظل استمرار هذه الحكومة وتلك الوجوه وتنفيذ برنامجها لا أمل فى تحسن الوضع الاقتصادى ولو بعد ٢٠ عاما وليس عامين.
■ وعلى الحكومة أن تعلم جيدًا أن لا الدنيا ربيع ولا الجو بديع مهما صور لها إعلامها وروج لها، ولكن عليها أن تتوقف عن إصدار أى قرارات جديدة بزيادة الأسعار، وأن تعلم أن الفقراء خط أحمر لا يجوز الاقتراب منهم أو المساس بهم، وأن الحكومة التى تولت المسئولية بقرار رئاسى يمكن أن ترحل بإرادة شعبية وبقرار شعبى إذا تحاملت على المواطن أكثر من ذلك لأن الشجر الناشف لم يعد ورور.