ما أحوج العرب فى هذا الزمان إلى حقير يحرر لهم بيت المقدس، ويحرر لهم فلسطين المحتلة منذ سبعين عامًا.. ما أحوج العرب الآن إلى حقير يخلصهم من الانبطاح والتبعية للغرب، وما أتعس الذين ولدوا فى زمن العظماء المعاصرين؛ حيث تكالبت علينا الأمم كبيرها وصغيرها واحتلت أراضينا وتحولت شعوبنا إلى لاجئين ومشردين ومتسولين، لقد سئمنا زمن العظماء هذا واشتقنا إلى الحقراء.. فى انتكاسة من انتكاسات «ابن زيدان»، خرج علينا بخلاف ما ذكرته كل كتب التاريخ وكل ما تعلمناه بأن البطل صلاح الدين الأيوبى الذى هزم الصليبيين وأزال ممالكهم واسترد منهم مدينة القدس، ووحد الشام ومصر، وأنشأ دولة قوية عامرة تمتد على أرض مصر والشام والعراق، وهى دولة بنى أيوب أو الدولة الأيوبية، وفجأة اكتشف «ابن زيدان» ما غفل عنه الغافلون من كتّاب التاريخ، أن البطل صلاح الدين الأيوبى هو «أحقر شخصية» فى التاريخ، ويبدو أن «ابن زيدان» درس التاريخ والعلوم على طريقة هل تعرفين كان وأخواتها؟ نعم وخالتها وعمتها، أين تقع على الخارطة أوروبا؟ تبقى على شمال كوبرى القبة، وهكذا يريد أن نتعلم مثله وحتى لا يزيف وعى هذه الأمة وشبابها؛ فإننا لو وضعنا أجزاء الصورة لاكتمل لنا المشهد، وأجزاء الصورة تبدأ عندما دخلت كتيبة كوماندوز إسرائيلية بغداد مصاحبة للجيش الأمريكى المحتل، وكانت مهمتها كالتالى: (١) اقتحام متحف بغداد والاستيلاء على آثار العراق المجيدة وخاصة ألواح الأسر البابلى والآشورى لبنى إسرائيل وسيرة ملوك الأسر من البابليين والآشوريين قرابة ٨٠ ألف لوحة، وسرقة أعظم مكتبة للتراث الإسلامى وبها النسخة الوحيدة من القرآن، والتى اعتمدها عثمان بن عفان وأرسلها إلى الأقطار الإسلامية، وعشرات الآلاف من المخطوطات الإسلامية النادرة وغيرها، وإذا وضعنا ما تفعله داعش الإسرائيلية فى آثار سوريا العريقة وسرقتها وبيعها إلى إسرائيل عن طريق الوكلاء (تركيا وقطر) وتدمير الآثار التى يصعب نقلها.. وتزييف التاريخ بافتكاسات كافتكاسة «ابن زيدان»، بأن بيت المقدس فى السعودية على بعد ٢٠ك.م من مكة المكرمة وليس فى فلسطين المحتلة التى يطالب بها العرب، فحروب العرب وهمية على شيء وهمى لا وجود له، وقد ظن «ابن زيدان» أنه حقق الهدف وهو تزييف وعى الأمة وتزييف تاريخها عندما مدحه وزير الدفاع الإسرائيلى (أفيجدور ليبرمان)، الذى طالب ذات يوم باسترداد سيناء من مصر وضرب السد العالى، وذلك عندما علق على افتكاسات زيدان «بأنه سعيد للغاية بتصريحات المؤرخين المصريين والتى تنزع القدسية عن أكبر إرهابى فى التاريخ الإسلامى صلاح الدين الأيوبى وعن أكذوبة المسجد الأقصى المصطنعة».
وقال: «هذه عودة وبداية لكتابة التاريخ بطريقة صحيحة، ورد الحق إلى أصحابه، وأن أورشليم القدس هى العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل الكبرى»، فهل هذه الخدمة التى يقدمها «ابن زيدان» للعدو الصهيونى كما تفعل الجماعات الإرهابية فى تدمير ذاكرة العراق وسوريا، وهى الأرض التى تنوى إسرائيل التوسع فيها لتكون إسرائيل الكبرى.. هل هذا محض صدفة؟ هل هذا لوجه البحث العلمى؟! ليس له مقابل؟ نحن نسأل ونترك للقارئ الإجابة – إن صلاح الدين الأيوبى بشهادة الأمريكان أسياد بنى صهيون وأرباب نعمتهم، اعترفوا بأنه من عظماء الألفية الثانية، وأنه كان مثالا للتسامح؛ فعندما احتل الصليبيون بيت المقدس قتلوا من «المسلمين والمسيحيين واليهود» سبعين ألفًا فى مذبحة ذكرتها كل المراجع التاريخية، ولم يسجل لصلاح الدين مذبحة واحدة ضد المدنيين، وللرد على بعض مغالطات افتكاسة «ابن زيدان» أنه بنى «قلعة القاهرة» قلعة صلاح الدين بأحجار الأهرامات، فإن الكسوة التى كانت تكسو الهرم الأكبر سقطت فى زلزال سجله المؤرخون سنة ٥٩٧هـ، وقد تم بناء القلعة سنة ٥٧٢هـ، أى سقطت أحجار الأهرام بعد بناء القلعة بخمسة وعشرين عامًا.
وإن أخت صلاح الدين الأيوبى لم تقتل فى قافلة الحج والتى بسببها خرجت جيوش صلاح الدين لتحرير القدس؛ لأن أخت صلاح الدين الأيوبى أسرت وعادت مع الأسرى وماتت سنة ٦١٦هـ، أى بعد موت صلاح الدين نفسه وهجوم صلاح الدين على حصن الكرك بالقدس كان متكررًا قبل أسر أخته وبعده.
إن الذى دمر الدولة الفاطمية هو الصراع بين وزيرى الدولة وهما شاور وضرغام، وهذه قصة طويلة ومعلومة للقاصى والدانى، فشاور تحالف مع نور الدين محمود عم صلاح الدين، وضرغام استنجد بالصليبيين، وقام الوزير شاور بحرق الفسطاط عن بكرة أبيها ولم يبق لها أثرا بحجة منع الصليبيين من دخول مصر، ثم أرسل أخبار جيوش نور الدين محمود إلى الصليبيين مما جعل جيوش نور الدين تتخلص من صراع الوزيرين الفاطميين، وأنهت الحكم الفاطمى للبلاد – كما انتهت فى مصر دول عدة: دولة ابن طولون، والدولة الإخشيدية، والدولة الأيوبية نفسها، وهكذا دورة التاريخ، أما مسألة حرق مكتبة الفاطميين فهذا أيضًا من الأكاذيب؛ فإن صلاح الدين الأيوبى عندما قام بتعمير مدينة القاهرة وأقام حصونها أنشأ بها ثمانى مدارس للتعليم، وزود هذه المدارس بالكتب من المكتبة الفاطمية فيما عدا كتب الطائفة الإسماعيلية، ثم قام قاضى مصر بشراء أعداد من الكتب فى الفقه والفلسفة، وفى سنة ٦٩١هـ، كما ذكر المقريزى، احترقت المكتبة بما تبقى فيها من الكتب وكانت عامرة بعد موت صلاح الدين بسنوات طويلة. وأما مذبحة المماليك وإذلالهم؛ فالحقيقة أن المماليك لم يكن لهم ذكر أيام صلاح الدين وكانوا من الضعف والتواضع ما لم يقلق صلاح الدين، وأول من أكثر من إحضار المماليك هو الصالح نجم الدين أيوب، أى بعد زمن صلاح الدين الأيوبى، ولم يظهروا فى الحكم إلا بعد زواج أيبك من شجرة الدر، وهى زوجة الملك الصالح نجم الدين أيوب، وكل ذلك بعد وفاة صلاح الدين الأيوبى. أما اضطهاد صلاح الدين لأهل النوبة؛ فهذا من باب استدعاء التاريخ لتدمير الحاضر ونفخ فى فتنة تُراد لأهل النوبة، تدعمها جمعيات المجتمع المدنى لتدمير الأوطان، فأهل النوبة هم أهل مصر فلا توجد مصر دون النوبة ولا توجد نوبة دون مصر، وأهل النوبة قاموا بثورات عدة على أحمد بن طولون، وسير إليهم الجيوش وعلى كافور الأخشيدى وعلى الدولة الفاطمية وعلى الدولة الأيوبية، وما حدث بينهم وبين صلاح الدين هو ما حدث بينهم وبين أحمد بن طولون، فعندما سقطت الدولة الفاطمية تحالف أنصارها مع بنو كنز من النوبة كقوة عسكرية تستطيع إعادة الدولة الفاطمية من يد الأيوبيين فنشبت بينهم حروب انتهت بهزيمة بنو كنز.
ولعلنا نقرأ التاريخ كما هو فى المراجع وما تعلمناه لا كما يريدون.