كان الجميع يترقب بشغف خطاب الدكتور محمد مرسى مساء يوم الأربعاء ٢٦ يونيو ٢٠١٣، وكنت شخصيًا أتوقع أن يرقى الخطاب إلى مستوى الحدث، وأن يتدارك الأزمة التى تحيطه فيخرج منها بذكاء سياسى مفوتا الفرصة على الملايين التى تستعد للنزول فى الثلاثين من يونيو، فما جدوى الإعلان الدستورى إذا كان الاستمرار فى الحكم هو الثمن، وما معنى الإصرار على حكومة قنديل المرفوضة شعبيا وإعلاميا، والتى لا تحقق أى إنجازات على أرض الواقع، ناهيك عن التصريحات المضحكة لرئيسها عن ترشيد الكهرباء بارتداء الملابس القطنية، أو عن نظافة المرأة المصرية ولبن الأم، فضلا عن رفض غالبية المثقفين لوزير الثقافة علاء عبدالعزيز، ومنعه دخول مكتبه، كان الناس يتطلعون لخطاب ينزع فتيل الأزمة، ولكن الغباء السياسى والغرور دفعا مرسى وجماعته إلى مزيد من العناد، وعلى مدار أكثر من ساعتين ونصف الساعة راح يهاجم كل خصومه بالاسم، ويبرر انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، بأن الموظف قد حصل على عشرين جنيها كرشوة لفعل ذلك، واتهم النيابة العامة بأنها لم تقدم الأدلة الكافية لإدانة رموز مبارك، واتهم الفريق شفيق بالفساد، زاعما أنه اشترى طائرات بأسعار خيالية تفوق أسعارها الطبيعية، وذلك عندما كان وزيرا للطيران، ونسى فخامة الرئيس أن وزير الطيران ما هو إلا أحد أعضاء لجنة كبيرة تضم محافظ البنك المركزى وعشرات من الخبراء والمتخصصين، وأنه لا يستطيع الانفراد بالقرار، اتهم مرسى أيضا القاضى على النمر بتزوير الانتخابات فى ٢٠٠٥ لصالح مرشح الحزب الوطنى، وقال إن هذا القاضى هو الذى سيحكم فى قضايا شفيق، وأخذ يتطاول على القدير مكرم محمد أحمد لمجرد أنه انتقده فى لقاء تليفزيونى، وادعى أن محمد الأمين يتهرب من الضرائب، وأن أحمد بهجت قد حصل على أرض من الدولة دون وجه حق، وأخذ يطلق سهام لسانه تجاه كل الإعلاميين، فوصف الإعلامية لميس الحديدى بأنها بنت قليلة الأدب، وقال «كفاية سنة عليهم»، وتحدث عن الدكتور فتحى سرور متعجبًا من براءته، وساخرًا من أحكام القضاء ومهرجان البراءة للجميع على حد قوله، كما اتهم النائب السابق ممدوح فودة نائب الدقهلية، ومجدى عاشور نائب الشرقية بأنهما يستأجران البلطجية لإدارة المظاهرات ضده، وأخذ يؤكد أن الجيش معه ويمتثل بأمره، فهو القائد الأعلى، وأنه لن يتراجع عن أى قرار اتخذه، وهكذا تحول خطاب رئيس الجمهورية إلى تصفية حسابات واتهامات لأشخاص بعينهم، وادعاءات دون سند أو دليل، وبينما كان يقف فوق المنصة مسترسلًا فى خطابه كان الفريق أول عبد الفتاح السيسى جالسًا وهو فى حالة من الذهول والدهشة، فليس هذا ما وعد به الرئيس صباحًا، لقد أقسم على أن يتضمن خطابه النقاط الخمس الذى حدثه فيها وزير الدفاع، وأبدى اقتناعًا بها، وتحولت نظرات الذهول والدهشة فى عين السيسى إلى نظرات واجمة، فالرئيس بعناده يقودنا هو وجماعته إلى المجهول، وهذا الخطاب الذى يلقيه مرسى الآن إنما هدفه الأول والأخير هو طمأنة الشعب، ومنع نزوله فى الثلاثين من يونيو، ولكن أتت الرياح بما لا تشتهى السفن، فكلمات مرسى دفعت من كان يفكر فى عدم النزول إلى اتخاذ القرار والمشاركة فى الثورة الآتية، نعم، كلنا كان يعلم أن الثلاثين من يونيو سيشهد ثورة ضد مرسى وجماعته، بيد أنه الوحيد هو وجماعته الذين كانوا لا يصدقون ذلك، أما السيسى فقد وضعه الخطاب فى مأزق تاريخى، فالجيش هو ملاذ الشعب دائمًا، وحماية الجبهة الداخلية من أولى مهام قواتنا المسلحة، فكيف سيتحقق ذلك ونحن على شفا حرب أهلية ينفخ فيها الرئيس بكلماته لتشتعل أكثر وأكثر، وأصبح السيسى فى موقف لا يحسد عليه، فأنظار الملايين وآمالهم تتجه نحوه كمنقذ لسفينة الوطن التى جرفها الريح إلى أمواج عاتية، فإما الغرق والسقوط فى الهاوية وإما النجاة، ولا أمل عند المصريين إلا فى الجيش وقائده، وخرج السيسى ليلتها من قاعة المؤتمرات وهو يحمل على كاهله هذا الهم الكبير، وعلم من وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم أن مرسى قد طلب منه القبض على ٣٦ إعلاميًا وسياسيًا من أعضاء جبهة الإنقاذ، وأنه رفض تنفيذ ذلك، وأبلغه بقرار الرفض، فغضب مرسى وانفعل، وأخذ يردد «أنا رئيس الجمهورية واللى أقوله يتنفذ»، فقال له اللواء محمد إبراهيم: «وفق القانون يا ريس»، وفى صباح اليوم التالى توجه وزير العدل المستشار أحمد سليمان بصحبة وزير الدولة لشئون المجالس النيابية حاتم بجاتو إلى قصر الاتحادية للقاء الرئيس وإخباره استياء كل الهيئات القضائية من خطابه، فراح يؤكد لهما احترامه للقضاء، وأنه لم يقصد الإهانة لأحد وتطرق الحديث إلى ٣٠ يونيو، حيث أكد لهما أن الأعداد التى ستنزل إلى الشارع لن تتعدى المائة شخص، وأنه يعرفهم بالاسم، واتصل المرشد العام بالرئيس ليبث له البشرى بأن السفيرة الأمريكية أخبرته بأن الولايات المتحدة لن تسمح لأحد أن ينقض على الشرعية، وعليه فافعل ما شئت يا مرسى، وقل ما تشاء، فطالما أمريكا معنا فلن يسقط حكمنا، وبالطبع فهذا هو معنى المكالمة وليس نصها، وبناء على ذلك، فقد طلب مرسى من النائب العام المعين طلعت إبراهيم إعادة فتح جميع ملفات الأسماء التى ذكرها فى خطابه، وإعادة التحقيقات فى القضايا التى انتهت بالبراءة رغم مخالفة ذلك للقانون والدستور، وكأن هناك إصرارًا على المواجهة.. وللحديث بقية.
آراء حرة
30 يونيو .. الثورة "2"
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق