الإثنين 06 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المواطنون والأسعار وبرنامج الإصلاح الاقتصادي!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ربما نال برنامج الحكومة للإصلاح الاقتصادى فى مصر مؤخرا ثقة الجميع بعد موافقة صندوق النقد الدولى والبنك الدولى وبعض المؤسسات المالية العالمية على دعم مصر عن طريق المنح وتمويلات ميسرة متوسطة وطويلة الأجل، ولكن هذه الثقة لم يشعر بها المواطن المصرى على الإطلاق تجاه حكومته فى الفترات الأخيرة نتيجة الارتفاع غير المسبوق فى الأسعار وعدم وجود بارقة أمل قريبة لتخفيضها أو زيادة دخله بشكل يساعده على العيش الكريم وبعدالة اجتماعية ينشدها منذ أكثر من ٤٠ عاما! والذى يزيد الأمر قتامة هو قيام الإعلام المصرى ببث الأكاذيب عن طريق تصريحات المسئولين بالحكومة تارة، وكلام رئيس الوزراء تارة ثانية، ومجلس النواب «المعجزة» تارة ثالثة، حول عدم إقدام الحكومة على رفع الأسعار مجددا، إلا أننا فوجئنا يوم الخميس الماضى برفع أسعار المحروقات من بنزين وسولار وغاز طبيعى، ليرفع الأسعار المرتفعة أصلا إلى الضعفين، حتى أصبح الأمر فوق طاقة المواطن الذى لم يجد حتى الآن ومنذ ٦ سنوات من يحنو عليه أو يربت على كتفيه!!
وربما كان قرار الحكومة المفاجئ «المتوقع» برفع أسعار البنزين والسولار ضرورة من أجل الحصول على القرض الثالث من صندوق «النكد» الدولى، ولكن كان لا بد للحكومة أن تضع خطة «رشيدة» لحماية المواطن من تداعيات هذه القرارات الحكومية التى أسهمت فى ازدياد القتامة فى أعين الناس وإحساسهم بالضجر والحزن والضيق ونحن فى شهر الصيف يوليو الحار جدا، الذى لا يتحمل فيه المواطن أى ضغوط أصلا..! وقد يكون لها تداعيات خطيرة.
منها إطالة حالة الانكماش الاقتصادى التى يمر بها الاقتصاد المصرى نتيجة زيادة المعروض وقلة الطلب وهذا بدوره سينعكس على أحوال بعض المصانع «المتوقفة معظمها» التى اضطرت مؤخرا إلى تخفيض إنتاجها من ٢٠ ٪ إلى ٣٠٪، خاصة العاملة فى قطاع السلع الغذائية، وكان من المفترض قبل صدور هذا القرار أن يتم السيطرة على ارتفاع الأسعار من قبل وزارة التموين والتجارة، ومن خلال الضبطيات القضائية أيضا لضمان استقرار الأسعار والتزام التجار والبائعين بالتعريفة الخاصة بالأجرة والأسعار الجديدة للسلع، وضمان عدم استغلال هذا القرار كغيره من القرارات التى تضرب السلام الاجتماعى فى مقتل وتخلق حالة من الضيق والحزن وعدم الرضاء لدى الشعب المصرى من أداء حكومته..
وربما كانت هذه الإصلاحات مثل الدواء المر، وأن من يشكو من آثارها الجانبية مثل غلاء الأسعار محق ولا يدعى لكن هذه الإجراءات مهمة لنجاته وعلاجه على فترات طويلة..
فهناك أشياء حدثت خلال السنوات الأخيرة، زودت الصعوبات الاقتصادية على مصر مثل توقف السياحة وتراجع تحويلات المصريين العاملين فى الخارج وتوقف تدفق الاستثمارات الأجنبية لمصر.. وكان سبب ذلك ربما الأوضاع التى مرت بها مصر منذ عام ٢٠١١.
علاوة على استغلال كثير من التجار الجشعين للأوضاع الاقتصادية لزيادة الأسعار، وعدم وجود رقابة على الأسواق، والتراخى من جانب الحكومة، ما أدى لحالة غليان فى شوارع مصر واستياء شديد من جانب المواطنين، لذلك فإن استمرار غياب الحكومة عن أداء دورها فى الرقابة على الأسواق والسيطرة على جشع التجار، سيزيد الاحتقان بشكل كبير، فالحكومة تكتفى بالتصريحات الصحفية، والإعلام يسير بالخطأ وراء كذب تصريحات الحكومة وادعائها بأن الأحوال ستتغير إلى الأفضل والمواطن يصرخ، ولكن لا يسمعه أحد وفى عام ٢٠١٠، ويذكر أنه عندما شكلت المعارضة المصرية برلمانا موازيا للبرلمان الأصلى أيام فتحى سرور وأحمد عز قالت لهم الحكومة متهكمة عليهم «خليهم يتسلوا» حتى تغير الأمر تماما وأصبح التسالى للمسئولين خلف الأسوار بعدها..!
لذلك فمن الواضح أن المشكلة الأساسية التى يعانيها الشعب هى مشكلة زيادة الأسعار، والتى غطت على كل المشكلات السياسية والقومية، وهى الأكثر ضراوة، ففى كل تجمع لا حديث يعلو على الشكوى من ارتفاع الأسعار.
فلا بد من توجد الرقابة على التجار والأسواق، واستغلال الكوادر الوظيفية المقدرة بأكثر من ٦ ملايين موظف يتقاضون مرتبات من الدولة، عبر إعادة توزيعهم وتكليفهم لمدة سنة، وتشكيل لجان منهم فى كل محافظة للنزول إلى أرض الواقع، والتجول بالشوارع والأسواق ومواقف السيارات للتأكد من انضباط الأسعار وتطبيق تعريفات الأجرة التى أقرها المحافظون، والإبلاغ عن أى تجاوزات من جانب التجار الجشعين، وإعطائهم صفة الضبطية القضائية لتحرير المحاضر وتحويلها إلى القضاء المصرى..! 
فالفقراء ازدادوا فقرا ولم يعد لديهم ما يشترى أدنى الاحتياجات، والطبقة الوسطى غيرت أولويات الإنفاق لتوجه المزيد من دخلها لشراء الاحتياجات الأساسية، ويتراجع الطلب على كل ما يعد كماليا سواء من حيث النوع أو الجودة أو الكمية، بل أدت زيادة الأسعار إلى أن تتحول بعض السلع من ضرورية إلى كمالية..
والحكومة تتبع فى معظم الوقت سياسة التخدير مع الشعب، بالإعلان عن زيادة المخصص للفرد فى بطاقة التموين من ١٨ جنيها إلى ٢١ جنيها إلى ٥٠ جنيها وزيادة المعاشات وزيادة التكافل والكرامة.. علاوة على أن هناك التضارب فى السياسات الحكومية، فعند تعويم الجنيه كانت التصريحات أن ذلك سيؤدى إلى زيادة الصادرات، ورغم معرفة الجميع أن الاقتصاد المصرى لا يملك ما يزيد به الصادرات، فإن كل ما حدث نتيجة انخفاض قيمة الجنيه أن زادت أرباح بعض السلع التى يمكن تصديرها ولكن لأنه لا يوجد فائض من الإنتاج!
بالطبع، فإن الزيادة المستمرة للأسعار أدت إلى خلل فى هيكل الاقتصاد، وما يؤدى إليه ذلك من آثار سلبية على سلوكيات الأفراد، فماذا فعلت الحكومة لمواجهة هذه المشكلة؟ الإجابة لا شىء فقط قامت بتخدير الناس بالتهدئة تارة وبالإعلام الكاذب تارة أخرى، وبالوعود بأن الأحوال ستتحسن بعد فترة بحيث لا ينتقل المواطنون من مرحلة الشكوى وانتظار تغير الأحوال إلى مرحلة اليأس من التغيير، وبالتالى اللجوء إلى أشكال عنيفة للاحتجاج وهذا ما لا نتمناه!.