لو تكررت حالة الخروج الكبير فى ٣٠ /٦ مئة مرة لشاركت فيها وخرجتُ وهتفتُ، وانتظرت مع جموع المنتظرين بيان الجيش الذى تصادف ذكراه اليوم ٣/٧، لماذا أقول هذا وهو بديهى لكل صاحب عقل؟ أقول هذا بعد أن لاحظت موجة ندم تسود بين من كنت أظنهم ثوريين مؤمنين بالدولة المدنية وخصوما صادقين لدولة الإخوان، هذه النغمة النشاز لا يمكن التعامل معها كنقد ذاتى لمناضل؛ لأنها تنتمي، شاء المناضل أو أبى، إلى مدرسة ضيق الأفق الذى يستخدمه الخصم المتربص بنا ليتوارى خلفه، ثم ينقضّ علينا من جديد، ليرفع رايته فوق مكتب الإرشاد من جديد.
خطوط رفيعة تفصل بين نقد الواقع الذى نعيشه الآن وهدم انتصار كبير تحقق بخروج تاريخى لأكثر من ٣٠ مليون مصرى فى الشوارع والميادين لاسترجاع مصر من بين أيدى خاطفيها، وكان الاسم الحركى للخاطفين هو «الإخوان المسلمون»، عاشت مصر سنة سوداء فى ظل حكمهم، عانى خلالها كل المختلفين معهم حتى صار باب الهجرة هو المنفذ الوحيد للنجاة.
ولأن الذاكرة المصرية الحديثة أصابها الخلل رأينا نماذج كثيرة استظلت بظل ٣٠ يونيو تخرج علينا اليوم فى مشهد انتحار جماعى ليعلنوا عن ندمهم على المشاركة فى الثورة التى شهد لها الجميع، وهنا تطوع البعض لتفسير تلك الظاهرة، وجاء واحد من التفسيرات ليرى أن النادمين هم الذين خرجوا وتعاملوا مع الوطن كتعاملهم مع كعكة يريدون منها قضمة ولما لم يتيسر للمشتاقين جزء من الكعكة عادوا إلى سيرتهم الأولى ليتلاعب بهم تنظيم الإخوان وذيوله، الأسماء فى مسيرة المشتاقين طويلة لن نذكرها احترامًا لعدد من اللحظات الفارقة فى تاريخ مصر وقفوا فيها إلى جوار الناس فى الشوارع.
تفسير آخر وهو تفسير شرير مفاده بأن المال الذى ما زال يتدفق لتمويل الإرهاب قد ذهب جزء منه إلى ميليشيات الإحباط والهزيمة فراحوا بكل ما أوتوا من خسة يبعثون السواد ويشجعون على اللطم مع كل شاردة وواردة، وبالمناسبة المال المخصص لتمويل الإرهاب ليس شرطًا أن يكون قادمًا من دولة أجنبية، عن نفسى أعرف بعض الكتاب فى الجرائد تميل رقابهم حيث تميل رقبة رجل الأعمال صاحب الجريدة، لم نسمع بهم يومًا فى كراسة الشارع فى زمن مبارك، بل كانوا خدمًا مخلصين لذيول ذيول مبارك، هؤلاء عندما يشهرون اليوم معارضتهم فلا بد لكل عاقل أن يتحسس عقله، ويعرف أن هؤلاء كتليفونات العملة لا تتكلم إلا إذا كانت ماكينة التليفون تم شحنها جيدًا بالفضة.
فإذا كانت الخريطة مُرتبكة هكذا، هل يمكن السؤال عن حقائق تدعو للغضب بعد أربع سنوات من قيام ثورة مصر فى ٣٠/ ٦؟ نعم، هناك حقائق يراها الأعمى تدعوه للغضب، نذكر منها على سبيل المثال القرار الصادم برفع أسعار المحروقات فى الأسبوع الماضى والذى خلق حالة من اليأس بين أنصار الدولة قبل خصومها؛ لأن تدبير عجز الموازنة له أبواب معروفة أولها وقف الهدر ومواجهة الفساد وآخرها الضريبة التصاعدية، والانحياز الاجتماعى قضية مصيرية مرتبطة بشكل مباشر بثورة ٣٠ يونيو، وعندما يبتعد متخذ القرار عن هذا المنهج لا بد أن ننتبه بأن المسار يحتاج ضبط البوصلة.
أزيد على ذلك أن الاشتباك اليومى بين المواطن وأجهزة الدولة المختلفة ما زال بنفس تعقيدات زمن مبارك، ما زالت الرشوة سيدة الموقف وما زالت البيروقراطية هى الحاكم المتحكم فى مصائر الناس، لذلك من المهم أن يستوعب الحُكم أن المسار الإجبارى لثورة ٣٠ يونيو يفرض انتفاضة تصحيحية فى أجهزة الدولة انتفاضة منحازة بكل وضوح لجموع الشعب وتيسير حياتهم اليومية فى العلاج والتعليم والمواصلات والإعلام والثقافة والسكن.
نحتفل بـ٣٠ يونيو وننتقد، لكننا لن نيأس، ولن نكفر أبدًا بما خرجنا من أجله، واثق من الانتصار ولا مكان لليأس أو الإحباط.