تحولت العديد من الأضرحة إلى ساحة خِصبة للجهل والتحرش والشرك أحيانًا، بعدما قصدها العديد من المصريين لعلاج أمراضهم، خاصة بعد موجة الغلاء التي ضربت ربوع مصر خلال الفترات الأخيرة، وتعددت الدوافع المجتمعية للاحتفاء بأصحاب الأضرحة، وأبرزها أنه يتخذها البعض للعلاج من أعمال سحرية أجراها بعض الحاقدين والحاسدين للمريض، أو للاستعانة بكرامتهم في حل مشكلة العنوسة، أو لحل المشكلات الزوجية.
كما أنه يلجأ البعض إلى الأضرحة ويقدم النذور والذبائح اعتقادًا منهم بأن لأصحاب هذه القبور كرامات في عملية الإنجاب، وهو الاعتقاد الذي ترسَّخ نتيجة مصادفات قدَرية لذَهاب بعض النسوة لهذه الأضرحة ثم حملها، حتى وصفت الأضرحة بـالمكان المبارك، وأن بركة ولي الضريح تشفي أمراض زائريه، وبعضها مخصَّص لعلاج أمراض بعينها، فضريح الشيخ كذا لعلاج العظام وآخر لعلاج البواسير وغيره للأمراض النفسية، كما وصلت لتقديس البعض للأضرحة، مبررين سلوكهم استنادًا إلى تأصيل شرعي يتعارض مع عقيدة التوحيد الإسلامي، وهو ما أكده "مصطفى رشوان"، أحد رواد الموالد والمتيمين بزيارة الأضرحة، مشيرًا إلى أن الدوافع الحقيقية وراء هذه الخزعبلات دوافع نفسية وتقليد اجتماعي متوارث.
(إحصاءات غائبة)
لا توجد إحصائيات دقيقة لعدد الأضرحة في مصر، ومن المعلوم أيضًا أنه لا توجد قرية أو مدينة أو بقعة من ربوع مصر إلا وبها ضريح أو أكثر، ووفقًا لما ورد في الأطلس المتكامل لمدن مصر "الخطط التوفيقية" لصاحبه علي باشا مبارك، فإن عدد الأضرحة الموجودة في القاهرة 294 ضريحًا، أما خارجها فيوجد 84 ضريحًا في دسوق، و133 في مركز تلا، و81 في مركز فوه بالبحيرة، و54 بمركز طلخا، كما يوجد في أسوان أحد المشاهد- مجموعة من الأضرحة- يسمى مشهد "السبعة وسبعين وليًّا".
كما ذكر كتاب "موسوعة الفِرق المنتسبة للإسلام" لمجموعة من الباحثين، أن عدد الأضرحة- وفقًا لبعض الدراسات الاجتماعية المتخصصة- يبلغ 6 آلاف ضريح، غير أن ما اشتهر من هذه الأضرحة نحو 1000 ضريح فقط، وهو عدد يفوق عدد القرى في مصر.
(زوار الأضرحة)
ومن أشهر الأضرحة الموجودة بمصر، أضرحة أهل بيت النبي، ضريح سيدنا الحسين والسيدة سكينة والسيدة نفيسة، وكانت بداية حديثنا مع الشاب العشريني، عندما أردنا أن نلتقط صورة للزائرين في حضرة ضريح السيدة، فتدخّل قائلًا: إن التصوير حرام.
"حاتم" من أبناء محافظة المنيا، ومن الحريصين على زيارة الأضرحة بشكل دائم، وتملَّكه حب آل البيت منذ ثلاثة سنوات عندما كان في زيارة لنفس الضريح مع أقاربه، فوجد ارتياحًا وحالة روحانية تسيطر على فكره وأطرافه داخل مقام السيدة زينب، جعلته يحرص على زيارة أضرحة أولياء الله الصالحين عمومًا، وآل البيت خاصة.
وأردف حاتم: "بشتغل عامل في المعمار، وكل ما أوفر فلوس باجي أزور آل البيت في مصر، وساعات مبيكونش معايا بس ربنا بيسهلهالي عشان آجي"، ويشير إلى أن وجوده الدائم بجوار أضرحة آل البيت والصالحين لا يُشعره بأي احتياج، حتى إن كان احتياجه ماديًّا، لكنه يشعر بالارتياح والرضا بجوارهم؛ لأن أروحهم تتحرك حوله في كل زيارة، كما أنه يعتمد على ما يهبه الزائرين للضريح من طعام وشراب في حالة تعثّره ماديًّا.
(شِرك خَفي)
ويقول الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية: إن زيارة الأضرحة من قبيل زيارة الأموات، وتُعتبر في حكم السنة؛ "يثاب فاعله ولا يعاقَب تاركه"، وأن بعض هذه الأضرحة لأولياء من الصالحين المعروف عنهم الجهاد والنضال لصالح الدين، لكن بعض العامة من الناس يعتقدون النفع والضر لأصحابها، وهؤلاء يرتكبون ما يسمى "الشِّرك الخَفي".
ويوضح الجندي: "النافع والضار هو الله وحده، ويكفي أن يعلموا أن رسول الله قال "والله ما أدري ما يُفعل بي"، فكيف يمكن لإنسان أن يعتبر الولي ينفع ويضر، وعلى من يريدون أن يفهموا الدين الصحيح، أن يعلموا أن زيارة أضرحة هؤلاء الأولياء هي تذكير لقربهم من الله، والعمل على أن يقلدوا أصحاب هذه الأضرحة في الأعمال الصالحة، ومن يظن أنهم ينفعون أو يضرّون فلديه خلل في عقيدة توحيده".