الخاطرة الأولى:
فى مقدمة أعمال دراما التليفزيون، هذا العام، فى موسمها أو مهرجانها الرمضانى، مسلسلات: واحة الغروب، لا تطفيء الشمس، رمضان كريم، هذا المساء، حلاوة الدنيا، وضع أمنى، كلبش، لأعلى سعر، الحساب يجمع.. وغيرها.
والحق أن فن الدراما التليفزيونية لدينا يتطور فى السنوات الأخيرة، على الرغم من «الشتائم المتكررة» ومن التعليقات الضحلة ضد هذه الدراما!.. بدلًا من متابعتها بجدية، وبملاحظات نقدية رصينة مفيدة، بل وإلى جانب الضحالة والشتائم، أضيف فى ٢٠١٧ بنفس المستوى ضمن التقارير الرقابية والأمنية تقرير لجهة حديثة تدعى «المجلس الأعلى للإعلام»، إلا أن هذه الدراما التليفزيونية فى مصر تمضى فى طريقها الصعب إلى مزيد من الإضافات والاجتهادات، وتثبت خاصة منذ حلول العقد الثانى من «القرن ٢١»، تطورها المتسارع على جميع الأصعدة دراميًا وفنيًا رؤى وتقنيات. وبفضل أجيال حديثة، هى على موهبة عالية فى مختلف المجالات، وخاصة الإخراج، الذى حمل على يد هؤلاء الشباب جماليات وروحًا سينمائية حداثية، ولتغدو ذات طابع خاص فى فن دراما الشاشة الصغيرة.
الخاطرة الثانية:
أعادت قناة «ماسبيرو زمان» المسلسل القديم «لا تطفئ الشمس»، فكانت فرصة لمقارنة مع المسلسل الجديد الذى يعرض فى ٢٠١٧ بمعالجة جديدة لمؤلف ومخرج «جراند أوتيل»، وهو المسلسل واضح النجاح والتألق العام الماضى (الكاتب تامر حبيب والمخرج محمد شاكر خضير).. إلى جانب المقارنة مع الفيلم الذى أخرجه صلاح أبوسيف وكان ناجحًا جذابًا أيضًا، يبدو أن رواية إحسان حسنة الحظ بمعالجات ثلاث مهمة.. المسلسل القديم إخراج نور الدمرداش أحد المؤسسين الرواد لدراما التليفزيون مصريًا وعربيًا، ومن أبطاله زوزو ماضى وكرم مطاوع ومديحة سالم وصلاح السعدنى.. بينما الفيلم بطولة شكرى سرحان وفاتن حمامة ونادية لطفى وعماد حمدى وأحمد رمزى.. والمسلسل الجديد من أبطاله ميرفت أمين ومحمد ممدوح وأمينة خليل.
نجح مسلسل ٢٠١٧ حتى بدا بحق أنه تفوق على كل معالجة سابقة.. وعموما: نجاح مسلسل تليفزيونى، كان قد قدم من قبل كفيلم سينمائى ناجح، هو أمر نادر، إن لم يكن متفردًا غير مسبوق!. ومن الأمثلة الفاشلة المشهورة.. «رد قلبى» وكيف لا يفشل المسلسل.. وهو عن قيام ثورة يوليو: بينما من كتبه للتليفزيون عن الرواية كان «مصطفى محرم»: أحد أكثر الكارهين لثورة يوليو بحنق وفجاجة.
الخاطرة الثالثة:
للأسف، نحن فى حال غريب الأطوار.. يحيا على الاستدانة خارجيًا.. وتوسل أو تسول داخليًا (هكذا نسبة طاغية من إعلانات التليفزيون فى رمضان هذا العام).
بمناسبة الإعلانات: فحتى ما يتصدر أفضلها من حيث إتقان التنفيذ.. (إعلان الثنائى ماجد الكدوانى ـ أحمد عز، والثنائى كندة علوش ـ عمرو يوسف)... هما من حيث المضمون والمعلن عنه: من أكثر الإعلانات استفزازًا.. لأن كليهما يعلن عن مساكن فاخرة فى «كمبوند»، أقل مسكن بملايين الجنيهات، بينما تحيا ملايين من شعبنا فى أسوأ ظروف وفى عشوائيات.. بل وفى «مقابر».
ومن الاستثناءات الموفقة، إعلان للتبرع لأحد المستشفيات، مصحوبًا بلحن عذب لأغنية بصوت المطربة الكبيرة أصالة، وهى نفسها تظهر فيه مع أطفال المستشفى مع بعض ألمع النجوم، إذ جاء شيقًا أخاذًا من حيث تنفيذ اللقطات وزوايا الكاميرا وقطعات المونتاج.. وعندى أننا تابعنا بفضل أغنية عذبة ثانية لأصالة أيضًا، أفضل مقدمة لمسلسل مقدمة: لا تطفئ الشمس.
الخاطرة الرابعة:
واضح أن مسلسل العام الأول هو «واحة الغروب» إخراج كاملة أبوذكرى عن رواية بنفس العنوان لبهاء طاهر أحد شوامخ أدبنا العربى، ثم واضح أنه تميز من الممثلين جميع كوكبة مسلسل «لا تطفئ الشمس» من نجمة النجوم ميرفت أمين بحضورها الاستثنائى، إلى أحدث النجمات الواعدات جميلات الأداء جميلة عوض، مرورًا بالبارعين محمد ممدوح وأمينة خليل، مع الصاعدين بـتألق أحمد مالك ومى الغيطى وغيرهم.. كما تميزت للغاية حنان مطاوع فى ثلاثة أدوار متباينة، وقد أعطت كل شخصية «حقها».. روحها وإحساسها الخاص جدًا (هذا المساء، حلاوة الدنيا، طاقة نور).. مثلما تميزت جميع كوكبة «واحة الغروب» وفى الصدارة منة شلبى وخالد النبوى بأدائهما المرهف الناضج، لكن كان للممثل القدير أحمد كمال وهج خاص وتألق غير عادى، وبرعت على نحو غير عادى أيضًا هند صبرى فى «حلاوة الدنيا»، وقدمت أداء أخاذًا كل من نيللى كريم (لأعلى سعر)، وغادة عادل (عفاريت عدلى علام)، وقدمت هالة صدقى أحسن دور كوميدى هذا العام (أيضًا فى: عفاريت عدلى علام)، فهو «كاريكاتير» لزوجة تقليدية فظة لن ينسى، ويعد هذا الموسم إعادة اكتشاف وبداية جديدة لكل من أمير كرارة فى (كلبش)، وياسر جلال فى (ظل الرئيس). ويبرع عدد لافت من ممثلين مقتدرين فى أدوار ثانية، خاصة عارفة عبدالرسول (لا تطفئ الشمس)، وكل من عبدالعزيز مخيون، وصابرين (فى دورى المرشد الهضيبى، وزينب الغزالى فى الجماعة ٢)، وكل من سيد رجب، وإنعام سالوسة فى (رمضان كريم)، وأحمد حلاوة فى (عفاريت عدلى علام). أما مواهب النجوم القادمة البارعة فى أدائها التمثيلى وفى حضورها الملحوظ فهى أيضًا غير قليلة، لكن يتصدرها جميلة عوض (لا تطفئ الشمس)، ومى عمر (عفاريت عدلى علام، ريح المدام)، ودينا وشاحى التى لديها طلة وإحساس فى الأداء لهما خصوصية ومما يبشر بمستقبل وبمكانة (دور الدكتورة حنين فى مسلسل الحالة ج)، والأردنية ركين سعد فى دور لا ينسى (مليكة فى واحة الغروب)، وتؤكد كل من دنيا ماهر (واحة الغروب، هذا المساء، الجماعة)، ونهى عابدين (حلاوة الدنيا) عامًا بعد عام موهبة كبيرة واضحة التميز، كما يؤكد أكرم حسنى فى (ريح المدام) أنه فى مقدمة نجوم الكوميديا القادمين، وأنه ستكون له مكانة خاصة فى هذا الميدان.
الخاطرة الخامسة:
يبقى أن أحسن إخراج بوضوح: كاملة أبوذكرى فى «واحة الغروب»، وإن كنا لا نملك إلا التأكيد أيضًا على تميز إخراج كل من تامر محسن فى (هذا المساء)، وحسين المنباوي فى (حلاوة الدنيا)، ومحمد شاكر خضير فى (لا تطفئ الشمس)، كما أن» واحة الغروب» هو المسلسل الذى فيه أحسن سيناريو وحوار(مريم نعوم، هالة الزغندي) إلى جانب سيناريو وحوار «لا تطفئ الشمس» (تامر حبيب).. وفى «واحة الغروب» أيضا أحسن تصوير (نانسى عبدالفتاح)، وأحسن مونتاج (وسام وجيه الليثى) وأحسن ديكور (فوزى العوامري)، وأحسن مكياج ( أحمد مصطفى، طارق مصطفى، عمرو عبدالله)، وأحسن أزياء (ريم العدل)، وأحسن موسيقي(تامر كروان) إلى جانب موسيقى أمين بوحافة فى (لا تطفئ الشمس)، بل ونجد فى «واحة الغروب»: «أحسن كومبارس».. مجاميع مدهشة، وإدارة متفوقة للمخرجة لكل من ظهروا، فضلًا عن دقة اختيارها وإدارتها لممثلى الأدوار الرئيسية. أما إذا أردنا أن نختار اسمًا واحدًا فقط، كممثلة العام وممثل العام، فإنهما عندنا من وجهة نظرنا هند صبرى فى (حلاوة الدنيا)، وأحمد كمال فى (واحة الغروب)... إن ٢٠١٧ عامهما عن جدارة حقيقية مؤكدة.
الخاطرة السادسة:
قد يكفى أن نقول هنا عن «واحة الغروب».. فى حيز هذه «المختصرات»: إنه إخراج.. وتصوير، ومجمل عناصر فنية، على خطى المخرج الرائد شادى عبدالسلام.. والمصور العالمى عبدالعزيز فهمى ومن معهما فى «المومياء»، كما أننا لسنا بعيدين عن «شيء ما مشترك» مع رائعة رضوان الكاشف «عرق البلح»، مع التأكيد على أنه ليس فى الأمر أى محاكاة أو أدنى تقليد.. وإنما فى «واحة الغروب» أصالة كاملة، مع وجود مشتركات ووشائج، من حيث الجماليات البصرية، التشكيلية، والاعتداد بكل لقطة وبالتكوين، كما لو كان كل «كادر» لوحة مستقلة، بارعة ممتعة، مع الحفاظ طول الوقت على النسيج ذاته وعلى الروح الواحدة. إنه عمل يستحق دراسة تحليل وتأمل كاملة.
كما يجدر أن نفرد كتابة خاصة فى مقالنا التالى عن مسلسل «الجماعة» (الجزء الثاني) تأليف وحيد حامد وإخراج شريف البندارى، حول ما «له».. ونحن لا ننكره، وما «عليه».. وهو أيضًا ما أكثره.