انقضى المهرجان الفنى والإعلامى الذى يصاحب رمضان فى القنوات العربية.. وإذا تأملنا بشكل عام ما تم تقديمه على مستوى الدراما والبرامج، سنجد أن هذا العام شهد فقرا واضحا فى الأفكار والرؤى، ولم تُقدم أعمال قوية يمكن أن تفرض نفسها على مدار السنين، فأغلب المسلسلات التى تابعتها افتقدت الكثير من مقومات العمل الفنى، من حيث الحبكة الدرامية أو الأخطاء على مستوى الصورة من إضاءة وتصوير وإخراج، أو الافتقار إلى الدقة سواء فى اللهجة فى بعض الأعمال، أو فى الأخطاء القانونية الفادحة التى لا تخفى على المشاهد العادى، لنشعر أنها أعمال فنية «مسلوقة» من أجل قضاء الغرض واللحاق بالسباق الرمضانى فقط دون تقديم قيمة حقيقية، أما أغلب المسلسلات الخفيفة التى تتخذ الشكل الكوميدى فتمتعت بثقل ظل وتفاهة غير مسبوقة وأفكار عقيمة وقفشات عتيقة، لتعكس الحالة المتردية التى وصل إليها المجتمع ككل.. أما على مستوى البرامج الرمضانية، فلم نجد سوى برامج السخافة «المقالب» والتى يعلم الجميع أنها تتم بعلم الفنانين الذين يقبلون تمثيل دور الضحية فيها، ولا أعلم كيف يقبل هؤلاء الفنانون بالتعليقات المبتذلة التى تخرج أحيانا عن كافة حدود اللياقة والأدب من مقدمى تلك البرامج، رغم أن الكثيرين منهم يتمتعون بتاريخ طويل يجب أن يحترموه حتى يحترمهم المشاهد..وللأسف حتى هذه النوعية من البرامج شهدت تدهورا كبيرا عما كنا نراه فى الماضى، فهى لا تعتمد سوى على فكرة واحدة تتكرر على مدار الشهر بشكل ممل ومفتعل، وليس كبرامج الكاميرا الخفية منذ سنوات والتى كانت تقدم كل يوم فكرة جديدة وبسيطة تحقق الابتسامة دون خدش للمشاعر، ودون الاستماع للصراخ والسباب ومشاهدة العنف والضرب.. وللأسف رغم عدم رغبتى فى مشاهدة تلك البرامج إلا أنها فرضت نفسها فى كثير من الأحيان، حتى فى المطاعم والأماكن العامة.. وهو ما يستدعى الدراسة النفسية للجمهور المصرى الذى ما زال يحرص على متابعتها.. وقد افتقدنا هذا العام البرامج الحوارية المعتادة فى شهر رمضان بشكل كبير، ولم نرى سوى البرنامج المتميز «شيخ الحارة» الذى قدمته الإعلامية صاحبة البسمة والأمل د. بسمة وهبة، والتى استضافت من خلاله مجموعة كبيرة من الفنانين والكتاب والإعلاميين، ورغم أن البرنامج يندرج تحت نوعية البرامج الترفيهية إلا أنه يقدم نماذج بشرية مختلفة، ويتطرق لمحطات مهمة فى حياتهم وينقل بعضا من خبراتهم الحياتية والعملية وآرائهم السياسية، وتميز البرنامج بالجرأة فى الحوار وإدارته بشكل بمحترف، واختيار الأسئلة بحيث تمنح الضيف الفرصة كاملة للإجابة دون تشويش، ثم توجه الأسئلة التى قد تبدر على ذهن المشاهد، كذلك كانت تُظهر شخصيتها ورأيها من خلال حواراتها مع الضيوف سواء بالإيجاب أو النفى، دون محاولة التظاهر بالحيادية، فأظهرت الجوانب الإنسانية لها ولضيوفها من خلال حوارها الهادئ والراقى.. وقد عرفناها لأول مرة من خلال برنامج «قبل أن تحاسبوا» على قناة «اقرأ» الدينية، وكانت تظهر فيه من خلال الحجاب، ثم خلعته بعد ذلك وانتقلت لتقديم البرامج الفنية والحوارية، وهو ما دعاها بعد ذلك للتأكيد فى أحد برامجها على أن الحجاب فرض وأنها تتمنى العودة إليه، لكنها فى هذا الوقت لا تقوى نفسيا على ارتدائه، ولكنها تطلب من الله ألا تقابله إلا بعد أن ترتديه مرة أخرى، وذلك لخشيتها من أن يقتدى بها البعض فى خلع الحجاب، ورغم ما نالها من هجوم إلا أنها بحكم شخصيتها القوية لم يثنها هذا الهجوم عن عدم التعبير عن آرائها وأفكارها بحرية، وهو ما يجب أن نحترمه، ونتعلم الحرص على حق كل منا فى الاختيار دون نقد أو تجريح.. وقد تعرضت هذه المرأة الشجاعة إلى تجربة عصيبة حكت عنها بفخر، لتقدم نموذجا رائعا للإنسان المؤمن حين يتعرض لما يفوق طاقته، فيواجهه بصبر وإيمان، وقوة يستمدها من الله جل جلاله، والذى يعلم طاقات عباده، فلا يكلفهم بما لا يطيقونه.. فيهبهم الصبر مع الابتلاء.. روت بسمة وهبة عن مرضها الشديد بالسرطان، ولم تخجل وهى تقول إنها فقدت كافة معالم أنوثتها أثناء تلقيها للجلسات المكثفة والشديدة من العلاج.. ولكنها رغم ذلك استطاعت بفضل الله اجتياز المحنة وتحويلها لمنحة يدرك فيها الإنسان قيمة الحياة الحقيقية، والتى تغرينا بمفاتنها وهى ليست سوى خدعة أو رحلة قصيرة تمر سريعا، وتحدثت عن زوجها الذى وقف بجانبها وتحملها فى هذه الظروف القاسية.. إنها رحلة من الألم ولكن يصاحبها اليقين فى الله والثقة فى قدرته والإيمان بقضائه وقدره دون يأس أو استسلام، واجهت بسمة وهبة المرض بشجاعة وثبات، لتثبت أن الله كما قال فى كتابه العزيز: «يحيى العظام وهى رميم».. فقد جعلها الله آية من آياته فعادت أجمل وأقوى مما كانت، ولكن رغم ذلك تركت التجربة بصمتها عليها، فأصبحت نظرتها أكثر عمقا ونبرتها أكثر صدقا وشخصيتها أكثر ثراء، وهو ما لمسناه فى برنامجها المتميز الذى أعاد إلينا روح البرامج الحوارية القديمة التى افتقدناها.
rasha_ysz@yahoo.com