من قال إن تاريخ المدن يقاس بمعالمها فحسب، المدن تقاس بتاريخها وحضارتها ومستقبلها، وبدماء أبنائها وعرقهم، وما مرت به مدينة الموصل من دمار بعد احتلالها بيد «داعش» يحتاج إلى وقفة كبيرة من الجميع، وقفة بمعناها الإنسانى والأخلاقى.
ما قام به تنظيم داعش الإرهابى من تفجير للجامع النورى «المسجد الذى ألقى فيه زعيم التنظيم خطبته الشهيرة» فى يوم الجمعة ٦ رمضان عام ٢٠١٤، والمكان يعد رمزا مهما لما كان فى يوم من الأيام يسمى «الدولة الإسلامية»، وكان يحمل رمزا معنويا لجنود دولة الخلافة، لكن هذا المسجد أضحى قبلة لكل مجرمى العالم.
«الجامع النورى» أو «الجامع الكبير» أو «جامع النورى الكبير».. أبرز مساجد العراق التاريخية.. يقع فى منطقة محلة الجامع الكبير أقدم مناطق الساحل الأيمن غرب مدينة الموصل.. ظل صامدًا ما يقارب ٨٤٤ عامًا، ونجا من غزو المغول، إلا أنه لم يسلم من تنظيم داعش، المسجد الذي بناه مؤسس الدولة الزنكية، الأمير نور الدين محمود زنكى، فى عام ١١٧٣م، بمدينة الموصل، وسمى الكبير لسعته وفخامة بنائه، واشتُهر أيضًا بمنارته الحدباء التى فجرها التنظيم الإرهابى.
يقال بعد حريق لندن العظيم عام ١٦٦٦، الذى أكل سبعين ألف منزل من تعداد ثمانين ألفا بما فيها معالم لندن القديمة المبنية فى العصور الوسطى ككاتدرائية القديس پول وغيرها.. تم إعادة بناء كل المعالم فى أماكنها الأصلية.. وكل ما نراه فى لندن اليوم من معالم فقد بُنيت بعد عام ١٦٦٦، أقول هذا وقلبى يتفطّر ألمًا على المنارة الحدباء.. لكنّ الإنسان والأرض أغلى وأبقى.. نعم فجورها فتلك هزيمة الجبناء.. وهؤلاء الوحوش لم يسلم منهم حجر أو حيوان أو إنسان..! ستُبنى المنارة فى مكانها.. وستُعمَر الأرض.. وسينجو الإنسان.. احزنوا على كلّ شىء.. لكن افرحوا بانجلاء الغُمّة..
ستنتهى وإلى الأبد أسطورة «داعش»، لكن أمامنا الآن ألف «داعش» و«داعش»، ولها أمثالها فى كل مكان، ولها حواضن متعددة وجهات ساندة ودول ترعاها، ومنابع التمويل لا تزال لم تجف رغم جهود دول كثيرة لوقف الدعم، فلا تزال قطر وبعض الدول هنا وهناك تدعم عناصر هذا التنظيم الإرهابى بامتياز.
إن المتغيرات الأخيرة التى شهدتها منطقتنا العربية من موقف عربى واضح من دولة قطر، ومن منظومة الحكم فيها، واختيار الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد، والتوجهات المهمة للقيادات الأمريكية فى موضوع قطر تدلنا على يقين أن حلم الإرهاب فى تأسيس دولته المزعومة أضحت محض خيال.
ولكن علينا أن لا ننسى أن أذرع داعش فى العالم ستعمل وبكل قوة وحتى الرمق الأخير، وستواصل ذئاب داعش الشاردة توجيه ضربات أمنية هنا أو هناك، وبالأخص فى أوروبا؛ حيث الخلايا النائمة لعناصر هذا التنظيم، ثم إن العراق وإن أصبح ساحة غير مؤهلة للتنظيم، لكن تبقى سوريا، هى الملاذ الأخير وإن بدأت عناصر التنظيم البحث عن ملاذات آمنة فى ليبيا وسيناء المصرية، ولكن لدينا ثقة كبيرة بأن هذا العام سيكون نهاية أسطورة داعش بسواعد أبناء الإنسانية فى كل مكان.
لا ننسى جرائم داعش فى العراق، فهو من دمر مرقد النبى يونس.. وجوامع أخرى لها شهرتها.. وكنائس ومآذن.. واستباح الحرمات.. وباع الأعراض وتاجر بها.. لا يجد صعوبة في تفجير المنارة الحدباء دعونا نترك الحدباء جانبا.. بتوحدنا ضد فكر داعش.. نستطيع بناء أكثر من منارة حدباء.
دعونا ننهى هذا الكيان القذر.. وننهى أفكاره.. وندعو لأهلنا فى الموصل الخلاص منه، والسلامة لهم من كل مكروه... وكذلك دعواتنا لكل من يقاتل الإرهاب فى أوطاننا العربية بالنصر، وأن يحفظهم الله من كل شر، وليكن هذا العيد عيدا للإنسانية بالخلاص من هذا التنظيم.