الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فوازير مكشوفة.. وعقول متحجرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

وانطلق الأطفال فى الشوارع والحارات، فرحون بـ«لبس» العيد، يتراقصون على أنغام «أهلًا أهلًا بالعيد»، يتسابق بعضهم بالدراجات المزركشة، ويعلو صوت «الزمامير»، وتطير «البالونات» فى عنان السماء، وقد ارتسمت على الوجوه ابتسامات بريئة لا تعرف فى هذه اللحظات إلا الفرح والسرور بقدوم عيد الفطر المبارك.

لا يحملون همًا، ولم تلوث براءتهم منغصات الحياة، ولا يدركون أشياء كثيرة تدور حولهم، ولا يستوعبون تداعيات قرارات صدرت بليلٍ، وكان لها وقع الصدمة على غالبية المجتمع، وأفسدت على كثير من الناس الشعور الحقيقى بالفرحة، ولا يشغل بال هؤلاء الأطفال، أعباء الحياة التى ترهق كاهل آبائهم، ولم تصل إلى مسامعهم تخريجات وزير التموين للالتفاف على قرار زيادة دعم الفرد على البطاقة الذكية، عبر تصريحات غير ذكية، وتستمر الحياة رغم كل المطبات والمعوقات والقرارات.

تابعنا جميعًا قرار زيادة قيمة ما يستحقه الفرد فى بطاقة التموين، ليصبح خمسين جنيهًا بدلًا من واحد وعشرين جنيهًا، وعمت الفرحة بين أكثر من ٧٠ مليون مواطن مقيدون بالبطاقات التموينية، حتى ظهر الدكتور على مصيلحى في مؤتمر صحفى، ليعلن رفع سعر السكر والزيت على بطاقة التموين، وكان مبرره في ذلك هو «توحيد» السعر بين السوق الحرة وبين السلع التموينية، وسط تأكيدات إعتاد عليها الوزير، تتخلص في مقولته الشهيرة: «لا عودة للتسعيرة الجبرية تحت أى ظرف».

سبحان الله يا أخى.. طالما لا تؤمن بالتسعيرة الجبرية فكيف تلزم السوق بالسعر الذى تحدده سيادتك؟.. للإجابة عن هذا السؤال تعالوا نتكلم بالبلدى وبـ«المفتشر الصريح».

يعلم الوزير والغفير وكل الناس أن سعر كيلو السكر كان لا يزيد على أربعة جنيهات ونصف الجنيه قبل حوالى ستة شهور، إلى أن صار عزيزًا على الناس واختفى من الأسواق، ثم عاد قافزًا إلى أرقام فلكية، حتى استقر عند عشرة جنيهات في الأغلب.. يعنى السكر سعره زاد أكثر من الضعف.

ويأتى قرار الوزير الأخير تحت حجة توحيد السعر، ولا ندرى لماذا لم يوحده بسعر التموين «٨ جنيهات»، ولماذا فجأة اكتشف هذا الفارق في السعر، وهو أمر طبيعى ويشمل سلعًا أخرى كثيرة؟ ولماذا صدر القرار عقب زيادة دعم الفرد على البطاقة؟

المٍسألة، في حدود فهمى المتواضع «الذى يختلف بالطبع عن صديقى فهمى»، أن الوزير مثله مثل وزراء كثيرين، يحاول أن يفلسف قراره بعيدًا عن جوهر الموضوع، ويبدو أن التوجيهات الصادرة بأن «صارحوا الشعب بالحقيقة»، لم تصل إلى مسامعه.. فالحقيقة «على المكشوف» أن تأكيد كل المسئولين على عدم العودة للتسعيرة الجبرية، لا علاقة له إطلاقًا بما يقولونه من مبررات، فالأمر مرتبط في الأساس بتعليمات صندوق النقد الدولى ومديرته الست كريستين لاجارد، والتى تحذر من العودة للتسعيرة الجبرية، ولكن وزراءنا بـ«يلفوا ويدوروا» ويبحثون عن «شوية» كلمات منمقة، ولتذهب الشفافية إلى الجحيم.. والمسألة، أيضًا، لا تحتاج إلى مفهومية، في ظل تناقض كلام الوزير الذى يتحدث عن رفضه للتسعيرة الجبرية، ثم يحاول البحث عن مبررات «توحيد» السعر، بينما نعلم جميعًا أن مردود قراره ببساطة متناهية هو تقليل قيمة دعم الفرد على البطاقة، ولعل الوزير أول من يعلم أن سعر السوق لا يخضع لقرارات سيادته، والأسعار طالعة نازلة وطالعة تاني لأسباب كثيرة يطول شرحها وهو أعلم بها.. يا سيدى الوزير.. توحيد إيه اللى بتتكلم عليه.. وحد الله وصلى على يشفع فيك.. ربنا يرضينا ويرضيك.

ومثلما وضعنا الدكتور مصيلحي، أمام فزورة "محلولة"، وضعنا أولئك السلفيين أمام فزورة غريبة، فرغم كل التطور الهائل في المجتمعات، يصرون على إخراج الزكاة قمحًا أو شعيرًا أو حبوبًا من المتوافر حسب موسم الزراعة، ولك أن تتصور لو أن الناس التزموا بهذا الكلام.. ماذا تفعل "أم إسماعيل" بالغلة التي تتجمع لديها، وهى تحلم بأي مبلغ يساعدها على شراء ما تستطيع لتقيم أود أولادها الصغار؟ أو محاولة سترهم بهدوم نظيفة، ولسان حالها يقول: لماذا أكسر أولادي وهم يرون أطفال سكان البرج الذى تجلس أمامه بمشنتها لتبيع الفجل والجرجير؟

ما هذه العقلية التي ابتلينا بها؟ وإلى متى يستمر "بتوع" الدعوة السلفية وحزبهم «النور» الذي يشغي بعناصر ظلامية تحظى برعاية عناصر أمنية، بدعوى أنهم كانوا ضمن "٣٠ يونيو"، رغم فتاويهم التي تكفر أبناء الوطن، وتنغص «عيشة» الغالبية من الناس، كما لو كانوا يملكون مفاتيح الجنة، وينظرون للجمهور على أساس أن مكانه في النار؟.

ما هذه العقلية التي تهزي وتتناقض مع نفسها ومع الحياة ومع العقل ومع المنطق؟ وإذا كانوا يرون أن كلامهم عن الزكاة يتفق مع أصل السنة، فليرحمونا ويمدوا الخيط على استقامته، ويتوقفوا عن ركوب السيارات الفارهة أو حتى العادية، وعليهم ألا يستخدموا التكييف أو المروحة، ويغادرون فورًا فيلاتهم الفاخرة.. مكانهم الطبيعي هناك في الصحراء يستظلون بنخلة ويقطنون عشة من الجريد ويرحمونا مما ينطقون به من تخريجات لا أنزل بها من سلطان، وفتاوى تشعل الفتنة وتخرب عقول الشباب، دون أن يتنبه أولئك الرعاة الرسميون في الجهات الأمنية وغير الأمنية، للخطر الكامن في هؤلاء التكفيريين أصحاب أفكار البداوة والعودة إلى الوراء.

ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.. وسلامًا على الصابرين