الموت... هو اليقين الذى لا شك فيه... وكم من ذكرى تحملها أنفسنا لكل من ذهب، وكم من ذكرى تحملها لنا كلمات وأفكار ذهب أصحابها وبقيت، بقيت إما لتضيف لنا أو تؤرقنا، كم من جسد فنى ومضى وبقى منه تلك اللمحات تلك الذكريات، كم فارقتنا قلوب وعقول، كم غابت عنا أجساد وبقت معنا أرواحهم تحملها كلماتهم وأفكارهم.
القصة الأولى
لما نزل الموت بالعابد الزاهد عبدالله بن إدريس، اشتد عليه الكرب فلما أخذ يشهق بكت ابنته.
فقال: يا بنيتى لا تبكي، فقد ختمت القرآن فى هذا البيت أربعة آلاف ختمة.. كلها لأجل هذا المصرع..
القصة الثانية
أمّا عامر بن عبدالله بن الزبير؛ فلقد كان على فراش الموت يَعُدُ أنفاسَ الحياة وأهله حوله يبكون فبينما هو يصارع الموت..
سمع المؤذن ينادى لصلاة المغرب ونفسُهُ تُحشْرجُ فى حلقه وقد أشتدّ نزعُه وعظـُم كربه، فلما سمع النداء قال لمن حوله: خذوا بيدي...!!
قالوا: إلى أين ؟.. قال: إلى المسجد..
قالوا: وأنت على هذه الحال؟!
قال: سبحان الله.. أسمع منادى الصلاة ولا أجيبه.
خذوا بيدي.. فحملوه بين رجلين، فصلى ركعة مع الإمام ثمّ مات فى سجوده.
القصة الثالثة
احتضر عبدالرحمن بن الأسود، فبكى فقيل له: ما يبكيك وأنت أنت.. «يعنى فى العبادة والخشوع»... والزهد والخضوع؟
فقال: أبكى والله أسفًا على الصلاة والصوم.. ثمّ لم يزل يتلو (القرآن) حتى مات.
القصة الرابعة
يزيد الرقاشى، لما نزل به الموت أخذ يبكى ويقول: من يصلى لك يا يزيد إذا متّ؟ ومن يصوم لك؟ ومن يستغفر لك من الذنوب؟
ثم تشهد ومات.
القصة الخامسة
وها هو هارون الرشيد لما حضرته الوفاة وعاين السكرات، صاح بقواده وحجابه: اجمعوا جيوشى فجاءوا بهم بسيوفهم ودروعهم لا يكاد يحصى عددهم إلا الله، كلهم تحت قيادته وأمْره فلما رآهم.. بكى ثم قال:
يا من لا يزول ملكه.. ارحم من قد زال ملكه.. ثم لم يزل يبكى حتى مات..
أما عبدالملك بن مروان؛ فإنه لما نزل به الموت جعل يتغشاه الكرب ويضيق عليه النفس، فأمر بنوافذ غرفته ففتحت، فالتفت فرأى غسالًا فقيرًا فى دكانه.. فبكى عبدالملك، ثم قال: يا ليتنى كنت غسالًا..
يا ليتنى كنت نجارًا..
يا ليتنى كنت حمالًا..
يا ليتنى لم ألِ من أمر المؤمنين شيئًا.. ثم مات.