من بين نحو 35 مسلسلا تليفزيونيا في سياق ما يعرف "بماراثون الدراما التليفزيونية الرمضانية" تشهد الساحة الثقافية المصرية جدلا بشأن الجزء الثاني من "مسلسل الجماعة" فيما يؤشر هذا الجدل حول المسلسل الذي كتبه وحيد حامد لأهمية الدراما التاريخية.
وإذ رأى المخرج محمد فاضل أن الأعمال الدرامية هذا العام أفضل من العام السابق فقد ذهب في مقابلة صحفية إلى وجود "أخطاء متعمدة في مسلسل الجماعة" ومنها علاقة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بجماعة الإخوان.
وقال محمد فاضل لجريدة الأهرم:"وحيد حامد من أكبر المؤلفين ولذلك فإن أي خطأ عنده ليس كخطأ أي مؤلف آخر وما أثير حول المسلسل أدى من وجهة نظري إلى عزوف البعض عن مشاهدته"، فيما اعتبر مثقف مصري آخر هو المحامي ثروت الخرباوي أن "وحيد حامد ظلم جمال عبد الناصر".
ومع عرض الجزء الثاني من هذا المسلسل المثير للجدل على شاشة الدراما الرمضانية هذا العام، قال القيادي السابق في جماعة الإخوان ثروت الخرباوي أن هناك أخطاء تاريخية وقع فيها مؤلف مسلسل الجماعة مؤكدًا أهمية إظهار "الضلال الفكري والجانب الظلامي لجماعة الاخوان".
وثمة كتابات وتصريحات وأقوال للرئيس الراحل جمال عبد الناصر يشير فيها إلى أنه في مرحلة شبابه الباكر واهتمامه بالشأن العام حاول الاقتراب من أحزاب وتنظيمات عديدة من بينها جماعة الإخوان للتعرف على أفكارها ومدى جديتها في العمل الوطني دون أن ينتمي تنظيميًا لأي من هذه الأحزاب والتنظيمات التي لم يجد فيها ما يتفق مع رؤاه ومبتغاه.
ومع إعلانه عن كتاب جديد له سيصدر قريبًا يرد فيه على الاتهامات التي جاءت في المسلسل، وصف ثروت الخرباوي ما يتردد عن انتماء الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في مرحلة من مراحل حياته لجماعة الإخوان- كما يشير هذا المسلسل التليفزيوني- بأنه أمر "عار تماما من الصحة".
وتابع: "تحققت كثيرًا من تلك الواقعة ولم أجد لها أي إثبات" فيما أعاد للأذهان أن عناصر جماعة الإخوان الإرهابية هي من كانت تروج لهذا الأمر غير الحقيقي.
وفيما باتت الدراما التاريخية "عنصرا أساسيا في الوجبة الابداعية التليفزيونية" على حد قول الكاتب والمفكر المصري سمير مرقس، فإنه يرى أن طبيعة الأمور هي "الاختلاف وأنه ليس من الطبيعي أو المنطقي أن يحظى العمل الدرامي أو الفني بالإجماع".
وكان بعض الكتاب والمعلقين الذين رفضوا بشدة ماجاء في الجزء الثاني لمسلسل "الجماعة" حول عضوية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في جماعة الإخوان قد اقترحوا في سياق تأكيدهم أهمية تصحيح التاريخ وحماية مصداقية المعرفة أن تقوم جهات مثل "الجمعية التاريخية المصرية" بإصدار بيان يصحح المعلومات ويستند إلى الحقائق والوثائق.
وبلغت التساؤلات عند بعض من وصفوا ما ورد في الجزء الثاني من المسلسل التليفزيوني "بالافتراءات على الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وثورة 23 يوليو 1952 والتاريخ" حد القول:"هل يمكن أن يتدخل القانون لمنع عرض مسلسل الجماعة لما فيه من تزييف للوقائع"؟
وكان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي تعرض غير مرة لاستهداف حياته من جماعة الإخوان قد وصف تلك الجماعة الإرهابية بأنها "متعصبة" كما رفض بشدة محاولاتها فرض الوصاية على ثورة 23 يوليو.
ولئن أعتبر سمير مرقس أن من حق المبدع "اختيار زاوية المعالجة التي يرى أنها تحقق له تطلعاته الإبداعية" فمن المآخذ المتعددة لكتاب ومعلقين في الصحف ووسائل الإعلام على مؤلف مسلسل "الجماعة" وحيد حامد أنه اعتمد على مصادر ومراجع كتبها منتمون لجماعة الإخوان فيما يؤكد السيد سامي شرف مدير مكتب المعلومات الأشهر للرئيس الراحل جمال عبد الناصر أن الزعيم الراحل "لم يكن أبدا عضوا بجماعة الإخوان ولكنه كان متصلا بكل التيارات السياسية على الساحة المصرية بهدف التعرف عليها.
وإلى جانب ما اعتبره حلقة جديدة في مسلسل النيل من ثورة 23 يوليو وقائدها جمال عبد الناصر انتقد الكاتب أحمد الجمال بشدة مسلسل الجماعة وما وصفه "بغطرسة المؤلف والمؤرخ المسئول عن مراجعة المادة التاريخية للمسلسل".
غير أن الكاتب والمعلق الدكتور وحيد عبد المجيد يرى أن من وجهوا انتقادات للجزء الثاني من "مسلسل الجماعة" إنما يخلطون بين "الدراما التاريخية من حيث هي عمل فني" وبين "التاريخ بوصفه علما اجتماعيا".
وقال وحيد عبد المجيد إن "صانع الدراما التاريخية لا ينقل أحداثا ووقائع"، فهو ليس "عملا توثيقيا"، موضحًا أن "العمل الدرامي له معاييره الفنية والجمالية"، ومشيرا في الوقت ذاته لإشكالية غياب الوثائق التي "تساعد في الوصول إلى يقين".
ولئن أكد مثقف مصري بارز مثل سمير مرقس أهمية "الدراما التاريخية وضرورة فتح حوار يدفعنا للتأمل في دروس التاريخ وكيفية الاستفادة منها في واقعنا وحاضرنا لصنع مستقبل أفضل، فقد يكون رأيه بشأن الدراما التاريخية موضع جدل بعد أن ذهب إلى أن "الدراما التاريخية لا تؤسس للذاكرة التاريخية".
فهذا الرأي الذي قد يختلف معه البعض من منظور الواقع العملي وقوة تأثير الشاشة في تشكيل وعي الجماهير، يقول صاحبه سمير مرقس أن الدراما التاريخية ليست مصدرا تاريخيا وإنما "نافذة نطل منها على التاريخ ومصادره ومدوناته".
وفيما أثارت الدراما التليفزيونية الرمضانية في السنوات الأخيرة جدلا ثقافيا ملحوظا، فإن الكثير من هذا الجدل دار حول أعمال متصلة بالدراما التاريخية مثل مسلسل "صديق العمر" وكذلك المسلسل التليفزيوني "حارة اليهود".
وفيما يؤيد سمير مرقس "التنوع" يذهب وحيد عبد المجيد إلى أن هذا النوع من الجدل الذي يحاكم فيه مسلسل تليفزيوني "كما لو أنه عمل وثائقي أو توثيقي وليس عملا فنيا" سيتكرر "ما دمنا نخلط بين التاريخ من حيث هو علم اجتماعي والدراما بصفتها عملا فنيا".
وأوضح عبد المجيد أنه بخلاف المؤرخ أو الباحث في التاريخ، فالمطلوب من صانع الدراما التاريخية أن "يقدم عملا فنيا جميلا مستقى من التاريخ ولكنه قائم على رؤية إبداعية يلعب فيها الخيال دورًا رئيسيًا".
وكان الكاتب المسرحي بهيج إسماعيل قد أشاد بمسلسل "حارة اليهود"، معتبرًا أنه "مسلسل مدروس كتابة واخراجا وتمثيلا"، فيما كان الكاتب والروائي يوسف القعيد من بين فريق من المثقفين المصريين أبدوا عدم ارتياح حيال هذا المسلسل.
وبينما رحب الدكتور مدحت العدل مؤلف هذا العمل الدرامي بالنقد دون تصيد الأخطاء، مؤكدًا أن ما يعنيه في المقام الأول هو "امتاع المشاهد"، اتخذ الكاتب أسامة الألفي موقفا بالغ الحدة ضد هذا المسلسل التليفزيوني معتبرا أنه يصب في خانة "تزوير التاريخ"، وقال إنه لا يرى له هدفا أو مغزى "يصب في صالح مصر وشعبها".
وواقع الحال أن هناك نقادا أشاروا إلى أن صدق رواية الحدث التاريخي لا يكبل خيال المبدع أو يحول دون ظهور عمل درامي تليفزيوني ناجح ويحظى بنسب مشاهدة عالية، كما أن الصواب لا يجانب هؤلاء الذين قالوا إنه لا ينبغي اختزال أي حدث تاريخي في البعد السياسي؛ لأن هذا البعد محكوم في نهاية المطاف بمحددات ثقافية وشروط اقتصادية ومعطيات اجتماعية.
وهذا الجدل الذي تجدد هذا العام مع مسلسل "الجماعة" كما أثير من قبل حول المسلسل التليفزيوني الرمضاني "صديق العمر" الذي تناول أهم شخصيتين في ثورة 23 يوليو، كما أثير حول مسلسل "حارة اليهود" إنما يؤشر إلى أهمية الدراما التليفزيونية والحاجة إلى نقد تاريخي موضوعي.
وإذا كانت هذه الدراما هي التي شكلت الوجدان المصري والعربي لسنوات طويلة فمن المفيد الآن استعادة ما قاله المؤرخ الأمريكي هوارد زن في كتابه "قصص لا تحكيها هوليوود أبدًا"، أن مهمة المبدع سواء كان يكتب أو يخرج أو ينتج أو يمثل في أفلام أو يعزف موسيقى، ليست فحسب إلهام الناس وتقديم السعادة لهم وإنما تعليم الجيل الصاعد أهمية تغيير العالم.
وإذا كان المخرج الايطالي أنطونيني هو صاحب مقولة إن "أكثر ما يثير انتباهي في هذا العالم هو الإنسان وتلك هي المغامرة الوحيدة لكل منا في الحياة"، فللدراما المصرية أن تركز على هذا الإنسان وأن تتطور أكثر خاصة أن الجماهير المصرية والعربية تؤازرها.
ومن نافلة القول إننا بحاجة لدراما تليفزيونية مختلفة عن أعمال وصفت بأنها "قد شوهت التاريخ وأفسدت ذاكرة الأجيال الجديدة" ناهيك عن أعمال تنضح بمظاهر الانفلات الاخلاقي ولا تعبر عن جوهر وحقيقة الشخصية المصرية.
نعم نحن بحاجة لاستلهام صحيح للأحداث التاريخية لتتحول بقدرة كاتب الدراما إلى مواقف وشخصيات في سياق رؤية إبداعية وطنية تعزز إدراك الأجيال الجديدة والصاعدة بالتاريخ المجيد لهذا الوطن وتضحيات الآباء والأجداد بقدر ما تخدم المستقبل وترسخ الثقة بالذات المصرية.
في تلك اللحظات لابد من وضوح الرؤية لتبقى مصر دوما منارة للإبداع والجمال.. الوطن الذي شهد ثورتين عظيمتين في ثلاث سنوات يتطلب دراما تعبر عن اللحظة المصرية والهاماتها.. دراما عن الإنسان المصري الذي يقدم للدنيا أمثولة مصرية لا تموت.