كنت واحدا ممن يعتقدون أن السيد حمدين صباحى لم يبرح بعد مرحلة المراهقة السياسية، وأنه لا يزال يتعاطى مع الشأن العام من منظور ذلك الطالب الجامعى الشاب الأرعن عديم الخبرة ضيق الأفق.
وفى أحسن الأحوال، كنت أحسبه ذلك الناصرى القابض على توافه الأمور رافع الشعارات «الزنزانة» الباحث عن موطئ قدم فى بؤرة الضوء على «ناصية» شارع السياسة، خاصة وأن صباحى ونفرا كثيرا من رفقائه الناصريين قدموا نموذجا عبقريا لطريقة تأسيس حزب سياسى ثم هدمه من الداخل، وبناء تيار شعبي مزعوم على أنقاضه.
لم أسئ الظن يوما فى نوايا حمدين، وطالما اعتبرته حنجرة بلا عقل لم تدرب سوى على الهتاف والجعجعة، حتى كان يوم الثلاثاء الثالث عشر من يونيو لعام ٢٠١٧، عندما وقف زعيم التيار الشعبى الناصرى يتحدث بلسان جماعة الإخوان الإرهابية يردد كالببغاء سفالاتها ووقاحاتها فى حق الجيش المصرى.
حمدين قال بالحرف الواحد «شرف العسكرية المصرية على المحك إذا تركت البرلمان يقر اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة السعودية ويعترف بسعودية تيران وصنافير»، بما يعنى أن هذا الشرف الرفيع الذى نستظل جميعا برايته، ثقب وانتهك من وجهة نظر صباحى لأن الاتفاقية أقرت بموافقة غالبية أعضاء مجلس النواب.
ومع ذلك كنت سأقول إن حمدين ومن معه كمثل الذى يحمل أسفارا لا يفقهها وتستحيل عليه قراءتها، لولا أنه وقف يطرح شرف العسكرية المصرية فى مزاد علنى أمام عدسات قنوات جماعة الإخوان الإرهابية المموله قطريًا وتبث من الدوحة وأنقرة.
وهنا أدركت أن المسألة تتجاوز الحديث عن سياسى نزق أخرق، إلى رجل ليست علاقة المصاهرة هى كل ما يربطه بالجماعة الإرهابية.
صباحى هذا الذى كنا نحسبه مناضلا يعانى من بعض المشكلات فى طريقة تفكيره، يخرج على الناس من خلال شاشتى الجزيرة والشرق القطريتين الإرهابيتين يحاول النيل من شرف العسكرية المصرية، ويعلن انتفاء الشرعية الأخلاقية والدستورية عن النظام السياسى المصرى، ويدعو المصريين للنزول إلى الميادين والثورة على البرلمان والرئيس اللذين اتفقا ـ بحسب حمدين ـ مع جهات خارجية على التنازل عن أراضٍ مصرية ضاربين عرض الحائط بالدستور.
صباحى أطلق قذائف التخوين، بينما كان يقف وسط عشرات من أعضاء تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية وتنظيم الاشتراكيين الثوريين المحظور وبعض الناصريين الذين على شاكلته، وراح يوجه رسائل التهديد والوعيد للدولة ومؤسساتها، وأخذ يزايد على وطنية كل مصرى يثق فى قرارات الرئيس والبرلمان باعتباره وثق فيمن باعوا الأرض والعرض وخانوا الوطن!
بذات الانحطاط خرج السفير معصوم مرزوق عبر شاشة الوطن تى فى الإخوانية، يمارس «الإستربتيز السياسى» بحرفية تفوق نجوم التعرى فى قنوات البورنو الإخوانية، حيث أكد أن النظام المصرى فقد شرعيته الدستورية ودعا الجميع للثورة عليه، وكرر واجتر وقاحات زعيمه وملهمه حمدين صباحى.
ظهور حمدين وأعوانه على قنوات الإخوان وترديد خطابهم، والتوافق معهم على الثورة ضد الدولة المصرية، هو دليل على أن التيار الشعبى الناصرى قد دخل فى تحالف علنى مع تنظيم جماعة الإخوان الإرهابى، وما بدا من تنسيق بينهما فى دعاوى التظاهر يؤكد هذه الحقيقة.
لذلك ربما أصبح يتعين على الجهات الأمنية المعنية مراقبة أى تحرك لعناصر وقيادات التيار الشعبى فى المرحلة المقبلة، ومعرفة ما إذا كان يتلقى أى نوع من الدعم عبر قنوات اتصال الإخوان.
على أية حال العلقة الساخنة التى تلقاها صباحى على يد سيدتين مصريتين فى وسط البلد باستخدام السلاح التقليدى لكل امرأة تدافع عن شرفها وشرف بلدها، هو ما يستحقه كل خائن طعن فى شرف العسكرية المصرية، وشكك فى وطنية الرئيس ومؤسسات الدولة من قبله.
ولا أعتقد أن جماعة الإخوان تقدره بأكثر من قيمة الاشتراكيين الثوريين فالكل بالنسبة للجماعة مراكيب «جمع مركوب» أى دابة يمتطيها تنظيم الإخوان حتى يصل إلى غايته، فيهشها ولو عصت ضربها بقبقابه.