من حق «بن جوريون» مؤسس دولة إسرائيل أن يرقص فرحا فى قبره، وبعدها ينام قرير العين مطمئنا على الدولة التى أسسها بالحديد والنار، بينما أولاده وأحفاده يستكملون البناء والتوسع دون طلقة رصاص، يعتمدون على جهل الجيران وغفلتهم وخوفهم على مصالحهم وكراسى الحكم.
الحديث عن تيران وصنافير، تلك الجزر التى دخلت التاريخ، وكانت أول بند يتحقق فى صفقة القرن التى أعلن عنها الرئيس الأمريكى فى بداية ولايته، ولم يفهم وقتها أحد ماذا يقصد؟.
كذلك سيدخل التاريخ أيضا مجلس النواب المصرى وقيادته من خلال الدور الذى لعبوه فى تمرير انتقال السيادة على الجزر المذكورة من الدولة المصرية إلى المملكة السعودية.
وهنا نتوقف أمام ما شهدته أعمال المجلس من مهازل، ليس فقط المهاترات حول العمالة والتمويل الأجنبى لمعارضى الاتفاقية – وأنا منهم من خارج المجلس طبعا – ولكن ضرب السلطة القضائية، وتجاهل أحكام أعلى هيئة قضائية هى الإدارية العليا التى قضت بالسيادة المصرية على الجزر من خلال عشرات الحيثيات التى ذكرتها المحكمة فى قرارها، بل لم ينتظر مجلس النواب حكم المحكمة الدستورية، خاصة بعد إقرار هيئة المفوضين بقانونية «مصرية» جزيرتى تيران وصنافير.
والمضحك فى مهازل تلك الجلسات هو اتهام أهل النظام لمعارضى الاتفاقية بالعمالة والتمويل الأجنبى، حيث إن التمويل الأجنبى يأتى غالبا من أمريكا والخليج، وهم أصحاب مصلحة فى انتقال الجزر من السيادة المصرية إلى السعودية، ورغم ذلك نحن لا نخونهم ولكنها المصالح والكراسى التى أذلت أعناق الرجال.
القضية يا أهل النظام ليست فى نقل السيادة التى تمت بسرعة البرق فى مجلس النواب، ولكنها فى نقل الوضع فى البحر الأحمر من ممر إقليمى تتحكم فيه الدولة المصرية إلى ممر دولى ترعى فيه إسرائيل كما شاءت، وهذا ليس اكتشافا أو اختراعا للعجلة أو المية السخنة، ولكنه كلام معلن ومنشور منذ عشرات السنين، فقط نحن الذين لا نقرأ وإذا قرأنا لا نفهم أو نتغابى ونعمل من بنها.
إسرائيل لا تريد الجزر، لكنها تؤمن لنفسها الممر الملاحى فى البحر الأحمر، وقد كان طلبها الرئيسى فى خريطة التقسيم الأولى أثناء منظمة عصبة الأمم سنه ١٩٢٧ وبالفعل حصلت على قرية أم الرشراش فى الخريطة الثانية سنة ١٩٣٧ وكذلك من الأمم المتحدة سنة ١٩٤٧ ولكن سيطرة مصر على مضيق تيران جعل الحلم بميناء إيلات الكبرى وهما، ولكن على يد مجلس النواب المصرى، أصبح الحلم حقيقة وعليه سوف تكون إيلات مثل هونج كونج وسنغافورة. ونتوقف قليلا أمام الدراسة التى قام بها الباحث فى الدراسات الاجتماعية محمود جمال العبادلى، ونشرها فى ٢٨ مارس ٢٠١٣ عن قناة بن جوريون الإسرائيلية وأهمية تيران وصنافير لمنعها وانتهى فيها إلى أن قناة «بن جوريون» مشروع إسرائيلى جديد للقضاء على قيمة قناة السويس.
وستقوم إسرائيل إذا شقت القناة من إيلات على البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط، بخفض المسافة التى تجتازها السفن فى قناة السويس،، حيث فى قناة السويس يستعمل أسلوب يوم تمر فيه السفن من اتجاه إلى اتجاه، وفى اليوم الثانى يتم استعمال الاتجاه المعاكس للسفن الذاهبة إلى هذا الاتجاه، وتأخذ السفينة لعبور قناة السويس مدة أسبوعين إلى ثلاثة، أما القناة التى تقيمها إسرائيل وتخطط لها فهى على مسارين، ويمكن للسفينة أن تعبر فى يوم واحد القناة دون التوقف.
وستكون القناة بعمق ٥٠ مترًا، أى زيادة عن قناة السويس ١٠ أمتار، وستستطيع سفينة بطول ٣٠٠ متر وعرض ١١٠ أمتار، وهى أكبر قياس للسفن فى العالم من العبور فى القناة التى ستبنيها إسرائيل.
أما مدة البناء فستكون ٣ سنوات وسيعمل فى المشروع ١٥٠ ألف عامل، يأتون من كوريا ومن دول آسيوية، ومن دول عربية للعمل فى هذه القناة.
المشروع الجديد، سيكون أهم مشروع فى المنطقة، استراتيجيًا ومائيًا، وستقوم إسرائيل بتوسيع مرفأ إيلات وتقيم مدنا وملاهى لكل دول العالم على جانبى القناة وبعد، ألا يحق للسيد بن جوريون أن يرقص فرحا فى قبره؟.