فى كتاب لى يرصد الأحداث التى مرت بها مصر فى الفترة من "٢٠١١ -٢٠١٣" رأيت أن الثلاثين من يونيو عام ٢٠١٣ يوم لا ينسى فى تاريخ مصر الحديث، لأنه أخرج المصريين من شرنقة الظلام إلى آفاق النور وتنفسوا الصعداء بعد ما ظنوا أن حكم الإخوان المسلمين قد يمتد لسنوات عديدة.
وقد كنت أعلم ـ بحكم موقعى ـ رئيسًا لقطاع الأخبار باتحاد الإذاعة والتليفزيون فى ذلك الوقت، أن الساعات القادمة ستكون فارقة خاصة أن النظام الإخوانى الحاكم، قد فقد سيطرته على كل مفاصل الدولة خاصة الجيش والشرطة والإعلام والأجهزة السيادية، وأصبح محمد مرسى رئيس الدولة معزولًا فى قصر الرئاسة «الاتحادية» ولم تكن لديه قناة اتصال إلا مع مكتب الإرشاد.
أما التليفزيون الرسمى قد قرر قبل ذلك اليوم وتحديدًا يوم ٢٨ يونيو الانحياز للشعب مع الالتزام الكامل بالمهنية فى التغطية الإخبارية للأحداث المتوقعة بين يوم ٣٠ يونيو و٣ يوليو، وقمت بتوزيع شبكة المراسلين على المناطق بشكل متوازن، حيث تجمع الإخوان فى ميدانى رابعة العدوية والنهضة بالقاهرة والجيزة بشكل أساسى بينما تركزت الجماهير الرافضة لحكم الإخوان أمام قصر الاتحادية وفى ميدان التحرير.
وطلبت من قطاع القنوات الإقليمية إمداد مبنى ماسبيرو على مدار الساعة بالمواد المصورة لأى فعاليات جماهيرية فى المحافظات التى تغطيها هذه القنوات، واعتمدنا على تقسيم الشاشة، لنقل أى أحداث مصورة خاصة من خلال النقل المباشر، واعتبرنا أن يوم الجمعة ٢٨ يونيو بروفة جنرال لما سوف يحدث يوم الأحد ٣٠ يونيو.
وخلال فترة حكم الإخوان كانت هناك ضغوط بشكل مستمر على الإعلام الرسمى من قبل إعلام الرئاسة المتمثل فى مجموعة من التابعين لمكتب الإرشاد، ولذلك رفضت أى تدخل منهم فى توجيه التغطيات، وطلبت من وزير الإعلام عدم تواجد أى منهم فى مبنى ماسبيرو، لأن فريق العمل التنفيذى خاصة فى أخبار التليفزيون من محررين ومخرجين ومراسلين ومذيعين لن ينفذوا أى تعليمات تصدر منهم.
وبالفعل اختفى هؤلاء الأشخاص وتمركزوا فى ميدان رابعة واشتكى لى المخرج فى الموقع من تدخلهم فى عمله بصورة سافرة.
وقد حاول الإخوان يومى ٢٨ و٢٩ يونيو استعراض قوتهم فى الحشد، والطريف أن وزير الإعلام الإخوانى كان يتابع التغطية أولًا من قناتى مصر ٢٥ التابعة للإخوان والجزيرة القطرية، ثم يوجه ملاحظاته على ما يبث بالتليفزيون المصرى وأبدى امتعاضه أكثر من مرة من عدم إبراز تجمعات الإخوان خاصة فى المحافظات، رغم تقسيم شاشة التليفزيون بين الفريقين المؤيدين للإخوان والمعارضين لهم.
بينما يرى المتابعون من الإخوان أن التوازن الذى يتبعه التليفزيون الرسمى أمر غير مهنى ـ من وجهة نظرهم ـ التى نقلوها لى من خلال الاتصالات الهاتفية والرسائل القصيرة سواء معى أو رئيس الاتحاد أو مستشار وزير الإعلام أو حتى الوزير نفسه الذى أصبح فى وضع لا يحسد عليه، لأنه وصل إلى مرحلة لم يكن فى مقدوره اتخاذ أى قرار.
وأصدر اتحاد الإذاعة والتليفزيون بيانا تمت إذاعته عبر القنوات التليفزيونية والشبكات الإذاعية يوم ٢٩ مساء، أعلن فيه بشكل واضح انحيازه للجماهير، لأن التليفزيون المصرى هو ملك للشعب، لدرجة أن الوزير اتصل برئيس الاتحاد وأخبره بالنص «إن تليفزيون الدولة لم يعد مع الرئيس»، وللحديث بقية.