شريط أخبار عاجل على شاشة الفضائيات يفيد بتوارد أنباء عن مقتل زعيم داعش أبو بكر البغدادى، الخبر مكرر ومُعاد لأكثر من مرة، حتى إننى نسيت عدد تلك المرات التى يبشرنا فيها الإعلام بمصرع زعيم الإرهاب العالمى الذى أسس فى غفلة من الزمن لحرب عالمية ثالثة، هذه المرة تأتينا الأخبار على مسئولية وزارة الدفاع الروسية التى أعلنت يوم الجمعة عن مقتل البغدادى، فى غارة روسية، المفاجأة هنا ليست فى ذلك الإعلان لأننا اعتدنا عليه، ولكن المفاجأة تأتى من تصريح وزير الخارجية الروسى "سيرغى لافروف" الذى قال إنه ليس لدى موسكو تأكيد بنسبة ١٠٠ ٪ بشأن مقتله وحتى نتعامل مع خبر قتل البغدادى بجدية، علينا أن نكون على علم بالبيئة الفكرية التى نما فيها أبوبكر وغيره من القتلة، فعندما نقرأ خبرًا عن نجاح منظومة ما فى اجتثاث الفكر المتطرف وقتها لن نهتم إذا كان البغدادى قد تم قتله أو أنه يعيش هائمًا فى الصحراء، البغدادى وأمثاله ليسوا هم غاية المراد عند المتابعين، الإرهاب الذى ضرب أركان الدنيا الأربعة تأسس على مناهج فكرية ومنظومات سمحت له بأن ينمو كما النار فى الهشيم، فكرة التكفير وهى الوجه الآخر لفكرة التخوين تمددت من عند أصحاب اللحى لتضرب وبعنف فى أوساط يسارية وليبرالية وصار الحكم ببساطة هو إن لم تكن معى فأنت ضدى وأنت خائن وأن المشانق المصنوعة من حبال الوطنية فى انتظارك، الدواعش يمشون بيننا يتربصون لكى تتاح لهم اللحظة لاغتيالك.
وزارة الدفاع الروسة تدقق الآن فى التقارير التى تشير إلى أن البغدادى قتل فى غارة روسية جنوبى الرقة أواخر مايو الماضى عندما استهدفت تجمعا لقيادات داعش فى الرقة، ليل ٢٨ مايو، لست من دعاة الإحباط وأقول دائمًا أفلحوا إن صدقوا، وبالتأكيد العالم بدون داعش والبغدادى سيكون عالمًا أفضل، ولكننى لا يمكن أن ألغى عقلى وأتوقف عند إزالة العرض متجاهلًا المرض، والمرض لا يكمن فقط فى المرجعيات الفكرية التى يستند عليها التكفيريون ولكن لدينا البيئة العالمية وخارطتها التى تداخلت فيها السياسة القذرة لاستخدام المتناقضات فى تصفية دول ليست مريحة، استخدام السم الإرهابى ليتخلصوا من حكومات وأنظمة وإزالة دول كانت راسخة يوما ما.
تلك الألعاب البهلوانية التى تسعى لتنشيط مصانع الأسلحة وفتح مسارات اقتصادية للتجارة بالموت وجدت ضالتها فى أغبياء المتأسلمين الذين صدقوا أن الانتحاريين الذين يقتلون الأبرياء سيكون بانتظارهم حور العين فى الجنة، وبلا ضمير راحت تلك الأدوات التى أغلقت عقلها وفتحت الباب واسعًا لأوهامها لتضرب فى كل بقعة تطولها يداها، هناك دول وقفت تتأمل وتدفع بالأموال لهؤلاء لكى يبتعدوا عن شرها أو مكايدة فى دولة ما.
وصار بزنس الإرهاب فى السنوات التى رافقت الربيع من أعلى أنواع البزنس دخلًا، حقائب الأموال التى اكتشفتها بغداد وقالت إنها أموال قطرية، البترول الذى يتم بيعه خارج السوق الرسمية، الموت والدمار والأمراض والتخريب، كل تلك التوابع لا يمكن معالجتها بقتل البغدادى أو قتل ألف بغدادى، ولكن يعالجها الوضوح الحاسم والمبدئى فى مواجهة الإرهاب، وبالمناسبة أستطيع القول واثقًا إن مصر هى الدولة الوحيدة على مستوى العالم التى اتخذت طريقًا واضحًا فى مواجهة الإرهاب لولا شوائب السلفيين ومناهج فى الأزهر ضد فكرة المواطنة وما زالت تدرس وواثق أن هذه الشوائب سيأتى لها يوم وتصبح من الماضى.
لذلك لن ننتظر من وزارة الدفاع الروسية ولا المخابرات الأمريكية خبرًا جديدًا عن مقتل أبوبكر البغدادى لأن واجبنا هو القتل اليومى لما يحمله البغدادى من أفكار وتخلف.